عندما أنهيت لتوى شهادة الثانوية العامة وكنت علىأبواب دخول الجامعة اغتال خالد الإسلامبولى الرئيس الأسبق السادات ولم أشعر بتعاطف على الاطلاق مع السادات بل شعرت بنوع من رد الاعتبار والرضا تجاه مقتله لا سيما وأنه قد حدث في أعقاب عملية الاعتقال الكبرى التى تمت لكافة القوى السياسية والدينية فى 3/9/1981... وعندما وقعت حادثة سليمان خاطر تم اغتياله فى محبسه ترددت أغنية سياسية «إضرب مع طلقة خالد.. اضرب مع رصاصة سليمان..» وجاءهذا متواكباً مع ظهور جماعة مصر العربية وعمليات اغتيال الموظفين الاسرائيليين فى القاهرة... مما يعنى تصاعد نغمة تمجيد الاغتيال والعنف السياسى... وظلت تلك المسألة ضباباً غامضاً معلقاً.. ومع مقتل المحجوب واغتيال الشهيد فرج فودة ثم توالى أحداث التسعينات الإرهابية.. لم أعد أستطيع أن أشعر بالرضا اطلاقاً تجاه مقتل واغتيال الرئيس الأسبق السادات... وأصبحت مدركاً تماماً أن الرئيس السادات قد استشهد فى عملية إرهابية. التمييز بين الإرهاب والعنف لاحداث تغيير سياسى وبين إرهاب الدولة واستخدام القوة المفرطة فى مواجهة الخصوم السياسيين.. فإرهاب الدولة يفتح الباب لأعمال العنف السياسى ولكنه ليس الباب الوحيد لهذا العنف فأعمال اغتيال احمد ماهر والخازندار والنقراشى لم تتم على خلفية العنف المفرط للدولة فى مواجهة خصومها.... ولعل أسوأ أنواع الإرهاب هو السكوت عنه والرضا بنتائجه... فدعم أعمال الإرهاب والعنف بالصمت وعدم الاشارة اليها هو ظهير فكرى لاستمراره وحائط صد لإكسابها مشروعية التغيير وممارسات الإخوان ومن لف لفهم والعاطفين عليهم ليس فقط بالصمت بل بإلقاء مسئولية أعمال العنف والإرهاب على الدولة لتستخدمها كفراعنة فى مواجهة الشعب والخارج.... فهذه الطريقة فى الترويج المضاد والصمت المخزي وإغفال التاريخ الطويل لأعمال الإرهاب التى تعرضت لها مصر لا سيما ونحن لم نزل معاصرين لأحداث التسعينات هو إرهاب حقيقة موجه ضد الشعب المصرى وضد الدولة ككيان ورابطة بين المواطنين وكوحدة سياسية قائمة مستقلة. والصمت تجاه تغول الدولة على معارضيها واستخدام العنف فى محاصرة الخصوم السياسيين وتزايد استخدام القوانين المقيدة للحريات... هذا الصمت إرهاب يحاصر الناس وأسوار من الذعر حول الأصوات المطالبة بالحريات وعندما انفجرت الثورة المصرية فى يناير 2011 أسقط المصريون حواجز الخوف وترسانة قوانين الحصار والعجز... الثورة المصرية تتقدم فى أحوالها وسيرتها المضطربة ولكنها لم تخفت ولم تنطفئ جذوتها وترويج فكرة الاختيار المر ما بين السكون أو العودة للشمولية الدينية... أو قبول تعدد المتاريس فى اطار مواجهة حرب الارهاب كل هذا تعبير عن مصالح موجهة للانفراد بالدولة الجديدة وإلحاح مقيت لاعداء الإنسان والحريات لإخماد الثورة وتكثيف الناس والعودة لمربعات الحصار. بالطبع أكثر الفئات التى أصابتها الصدمة من جراء إحكام البراءة التى نالها مبارك ومعاونوه هم أجيال الشباب الذين تصدروا وشاركوا في ثورة يناير 2011، وأيضاً فى ثورة يونيو 2013... هؤلاء عاصروا وساهموا فى الأحداث والتقلبات المختلفة لثورتنا ولا يستطيعون أبداً أن يتفهموا أن الأوراق المعروضة على القاضى هى التى ادت الى مثل تلك الأحكام... بين التخبط والضباب والانتهازية السياسية نجا مبارك... تخبط القوى السياسية تجاه مفاجأة الثورة وعدم ا متلاكها أجندة واضحة لما تريد وما تفعل تداخل هذا مع افتقاد النخبة القائدة لروح الثورة وانقطاع خطوط التواصل مع روح الشباب الوثابة وعلى صعيد آخر تواصلت جماعة الإخوان فى برجماتية مذهلة مع المجلس العسكرى السابق فى اطار الضغوط الأمريكية لكى تسرح فى وراثة نظام مبارك المتسلط بكافة مواصفاته الانفرادية الوثيرة ليتربعوا على قلب مصر... فى هذه الإجراء المتخبطة المضببة ضاعت الأصوات المطالبة بضرورة اصدار قانون لمحاكمة الفساد السياسى تحت دعاوى أن نتمكن من استرداد الأموال المنهوبة بالخارج.... ويتباكى الإخوان العاطفين عليهم على الأحكام الصادرة متجاهلين ان المعزول قضى عاماً كاملاً هو ومكتب ارشاده فلم يلتفتوا لفكرة محاكمة الفساد السياسىوانما صبوا بكل جهدهم فى الاستئثار والتسلط وملاحقة خصومهم السياسيين من القوى السياسية لا من هؤلاء الذين نهبوا واغتصبوا وأضاعوا الوطن، فى تشيلى طارد أصحاب الحقوق بيونشيه مستخدمين كافة الآليات القانونية الداعمة لحقوق الانسان حتى تمكنوا من الامساك به حتى مات وهوتحت الإقامة الجبرية بغض النظر عن تقدمه فى السن الذى تجاوز التسعة عقود... جرى بنا الاستفادة من تلك التجربة ومواجهة حملات الاحباط والإرهاب والإعلام الموجه من الخارج ومن الداخل فهؤلاء يرغبون فى اسقاط الدولة وحرق الوطن وهؤلاء يحلمون بالدولة المستبدة... ومن المدهش ان تتشابه أحلام فلول النظامين البائدين السابقين فجميعهم يرغبون فى وأد الثورة والتخلص منها... روح الثورة لا تموت الا اذا وهنت إرادتنا وكلت عزيمتنا وارتضينا سقوفاً مغلقة لأبصارنا وأرواحنا.. وسقطنا فى براثن حروبهم وإرهابهم وإحباطهم الممنهج.