لا غرابة في أن يستقيل مسئول.. أي مسئول.. من منصبه، إذا كان قد قضي في عمله وقتا كافيا، ثم اكتشف أنه من الأفضل أن يترك الموقع لشخص آخر يستطيع أن يعطي فيه. ولكن.. أن يأتي رجل مثل الدكتور أشرف تمام، إلي رئاسة مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، لأيام، ثم يجد نفسه بعدها مضطرا لأن يغادر موقعه، فهذا هو الغريب، وهذا هو الذي يجب أن يستوقفنا، ثم إن هذا هو الذي تمنيت لو أنه استوقف رئيس الوزراء! ذلك أن استقالة رئيس المركز، بعد قضاء عدة أيام في الموقع، لابد أن وراءها أسبابا قوية، وهذه الأسباب القوية لم يشأ صاحبها أن يخفيها، وإنما أعلنها علي الملأ، وقالها بصراحة تكاد تكون صادمة! ولأن المهندس محلب، هو صاحب قرار التعيين في الأصل، فقد كنت أتوقع ألا يقبل قرار الاستقالة، بهذه السهولة، ولا بهذه السرعة، وأن يفتح بدلا من قبولها، تحقيقا جادا، وشفافا، حول حقيقة تلك الأسباب التي دعت «تمام» إلي أن يغادر سريعا، ولسان حاله يقول: إنه يريد أن ينجو بنفسه! فهو يقول، إنه فوجئ بأن كثيرين في المركز لا يريدون التعاون معه، ولا أعرف من جانبي مَنْ هم هؤلاء الكثيرون الذين أرادوا أن يأتي رئيس «تفصيل» للمركز، ولكن ما أعرفه أن هذا لو صح، فإن الذين يجب أن يتركوا المركز، هم هؤلاء المحتجون المعترضون الرافضون للتعاون، وليس رئيسه! ولو أن الأمر توقف عند هذا الحد، لقلنا إنه خلاف بين رئيس جديد لموقع من مواقع العمل، وبين أعضاء في الموقع ذاته، وأنه يمكن احتواؤه واستيعابه، ببعض من الحكمة والصبر! ولكن.. أن يقول الدكتور تمام، في باقي تصريحاته، إنه واجه حربا شديدة في مكتبه، وأن هذه الحرب بلغت حدودا أشد، عندما حاول الاقتراب من ملفات بعينها، فهذا بالضبط، ما كنت أتمني مرة أخري، لو أن رئيس الحكومة قد سارع الي التحقيق فيه، وإلي كشف أسراره، وخفاياه، وملابساته. فالسؤال المباشر هنا، يظل علي النحو الآتي: ما الملفات التي أراد رئيس المركز المستقيل، فتحها، فاكتشف أن استقالته أسهل عليه من الاقتراب منها؟! ما هي، بالضبط، هذه الملفات؟!.. هذا سؤال يحتاج إلي جواب واضح، حتي لا تظل التهمة معلقة في رقاب الجميع! وسؤال آخر: ماذا تحوي هذه الملفات علي وجه التحديد، ولماذا خشي أعضاء في المركز، وربما في خارجه من فتحها؟! ومَنْ بالضبط تدينه هذه الملفات، ومَنْ في المقابل يمكن أن تبرئه؟! لقد أثبت استطلاع أخير للرأي العام أن 88٪ من المصريين، راضون عن أداء الرئيس السيسي، وأن 58٪ منهم راضون كذلك، عن أداء رئيس الحكومة، وهو ما يعني أن غالبية المواطنين، في الحالتين لاتزال تمنح الرئيس ورئيس حكومته شيكا علي بياض، ليس في مقاومة الإرهاب وحده، وإنما في مقاومة الفساد، وفي فضحه، وفي إنزال عقاب القانون علي مرتكبيه. ربما لم يحدث من قبل، أن كان هناك رئيس للبلد، يتمتع بهذه الدرجة العالية من الرضا العام من جانب الناس، وربما لم يحدث الأمر ذاته مع رئيس حكومة سابق، ولذلك، فمثل هذا الرضا العام، إنما هو رصيد في جيب الرئيس، و في جيب رئيس الحكومة، ولابد أن كليهما مدعو لأن ينفق من هذا الرصيد، وبقوة، لأن رصيدا من هذا النوع، تظل قوته في الإنفاق منه، باستمرار، وليس في الاحتفاظ به، كرصيد المال مثلا. بل إن رصيدا من نوع ما أشار الاستطلاع إلي أن الرجلين يتمتعان به، يتضاعف ويزيد، كلما أنفق منه صاحبه في اتجاه خوض حرب علي مستويين متوازيين: واحدة مع الإرهاب الأعمي وأخري مع الفساد الأشد عمي! أشعر، وأرجو أن أكون علي خطأ، بأن استقالة رئيس المركز، هي بمثابة رأس جبل الثلج العائم، ويستطيع المهندس محلب بقرار منه، أن يدفع بالجبل كله إلي ما فوق الماء، ليراه الناس، مهما كانت بشاعته، ومهما كان حجمه، لا أن يبقيه هناك في مكانه تحت الأمواج! الفساد أشد خطرا لأنه هو الذي يوفر الحاضنة للإرهاب فافتحوا ملفاته في مركز المعلومات، وفي غير مركز المعلومات، ولتكن البداية من عند هذا المركز، لأن واقعة استقالة رئيسه الغامضة للغاية، تأتي مباشرة، بعد استطلاع رأي هو في حقيقته، سيف ممنوح لكما!