مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    الصراع يحتدم، رد حاسم من الأزهر بشأن تشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    بالأسماء، حركة تنقلات بأوقاف المنوفية لضبط العمل الدعوي والإداري    إبراهيم عيسى يحذر من سيناريو كارثي بشأن قانون الإيجار القديم    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    مصر للطيران تلغي رحلاتها اليوم إلي بورتسودان وتوجه نداء لعملائها    هجوم عنيف بمسيرات أوكرانية يستهدف موسكو ووقف الرحلات في 3 مطارات    هل يشارك ترامب في جهود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؟    إسرائيل تستعد لغزة ب«عربات جدعون»    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    الحوثيون يتوعدون تل أبيب برد قوي على القصف الإسرائيلي لليمن    تشمل السعودية والإمارات وقطر.. جولة لترامب بدول الخليج منتصف مايو    جوتيريش يحث الهند وباكستان على "التراجع عن حافة الهاوية" ويحذر من التصعيد العسكرى    موعد مباراة إنتر ميلان وبرشلونة في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    أحمد سليمان يغيب عن اجتماع الزمالك الحاسم.. ما علاقة رنا رئيس؟    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    مدرب سيمبا: تلقيت عروضًا للعمل في الدوري المصري وهذه الفرق أحلم بتدريبها    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    مصرع طالب في حادث مروري بقنا    اليوم.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية    بحضور نجيب ساويرس.. أحمد سعد يُشعل الأجواء في بغداد بحفل استثنائي    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    الطب الشرعي يعيد فحص الطالبة كارما لتحديد مدى خطورة إصاباتها    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو في الصاغة    زيزو أحد الأسباب.. الزمالك مهدد بعدم اللعب في الموسم الجديد    "المالية" تعلن عن نظام ضريبى مبسط ومتكامل لأى أنشطة لا تتجاوز إيراداتها 20 مليون جنيه سنويًا    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    التموين عن شائعات غش البنزين: لم نرصد أي شكوى رسمية.. ونناشد بالإبلاغ عن المحطات    تعرف على.. جدول الشهادة الاعدادية التيرم الثاني بمحافظة القاهرة    "عيون ساهرة لا تنام".. الداخلية المصرية تواجه الجريمة على السوشيال ميديا    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    رغم هطول الأمطار.. خبير يكشف مفاجأة بشأن تأخير فتح بوابات سد النهضة    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سيد خطاب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة فى أول حوار :
أرفض إعادة إنتاج التنظيم الطليعي في ثوب منظمة الشباب سنعيد الثقافة الجماهيرية بالعقل النقدي المتفتح القادر علي الاختيار والتمييز
نشر في الوفد يوم 17 - 11 - 2014

يتربع على عرش قصر ليس ككل القصور الملكية الفخمة التى عرفناها، لكنه قصر من نوع خاص، أرضيته جمهور مصر العريض من حلايب وشلاتين إلى مطروح ورفح والعريش، جدران قصره هى الثقافة بكل منابعها وألوانه، أدب ..
شعر، مسرح، سينما، رسم، حرف يدوية وغيرها، لا يحلم بتاج أو كرسى مرصع بالجواهر، بل يحلم بالسلام الاجتماعى والتعايش وقبول الآخر، كما يحلم بأن يصنع لمصر ثوباً خاصاً فضفاضاً بهى الألوان «مزركشاً» يشارك فيه كل أطياف الشعب ويضم أيضا كل الأطياف، ثوباً اطلق عليه «التعددية الثقافية»، انه د. سيد خطاب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، تلك الهيئة التى كانت ولا تزال بتاريخها وفلسفة نشأتها تقوم على الاقتراب الدائم بشكل مباشر من الناس، همومهم، أحلامهم، ومعرفة نبض هذا المجتمع، وحين التقيته لإجرى معه أول حوار منذ تولى مهامه قبل شهرين وبداخلى عشرات الاسئلة عن دور قصور الثقافة مع شبابنا الحائر، المستقطب.. المتأرجح بين التسطيح والفكر المتطرف، الضائع فى غياهب شبكات التواصل، والمعتمد على ثقافة «تيك اواى»، وجدته يلخص لى مضمون معظم مشاكل شبابنا فى جملتين «ضرورة الاهتمام بالثقافة الجماهيرية وبناء عقلية نقدية تقبل الآخر» كما وجدته يرفض تماما إعادة إنتاج التنظيم الطليعي في ثوب منظمة الشباب التي يدعو إليها بعض الكتاب والإعلاميين، مؤكداً لكل من يرفضون مدنية الدولة، أن مصر أمة ودولة ومدنيتها متجذرة منذ عهد أحمس، ويجب أن يؤمن الإخوان والخوارج برسالة الدولة الوطنية وانهم ليسوا شعب الله المختار.
وقال د. خطاب «المصريون سلموا أمرهم إلي دولة القانون وهي كفيلة بالقضاء علي الفوضي الأخلاقية بعد أن نجحوا في تفتيت فكرة الأيديولوجيا «الإخوانية» الخامدة، وحافظوا علي تعددهم وتنوعهم الثقافي، ونجحوا في امتصاص الهجمة الشرسة للتطرف الديني والإرهاب..» وإلي الحوار..
شبابنا قام بثورة 25 يناير لتغيير نظام سياسى فاسد، رغم ذلك يعانى الأغلبية من سطحية سياسية، فهل لقصور الثقافة دور فى التثقيف السياسى؟
- الهيئة العامة لقصور الثقافة لديها إدارتان مهمتان، إدارة المركزية للشئون الثقافية، وإدارة البحوث والدراسات، والإدارتان معنيتان بشكل أساسى بالاعداد لندوات مختلفة لفكرة التثقيف السياسى وتغيير الخطاب الدينى، وإعداد قوافل ثقافية، لتجسيد فكرة المواطنة، فكرة المدنية، ونعمل لان يكون فى كل قرية شاشة سينما، ولن يكلفنا هذا أكثر من 10 آلاف جنيه، وهذا مبلغ ضئيل بالقياس لما ستحدثه هذه الشاشة من تأثير وتنوير وثقيف فى الفضاء المدنى للقرية، لاننا سنضيف إلى هذا الفضاء فضاء آخر جديداً بجانب فضاء المنزل والمسجد والكنيسة، والمدرسة، وبهذا نواجه الجهل السياسى بالقوافل الثقافية .
كما ان الفنون التى نقدمها من خلال قصور الثقافة هادفة وتسعى للتثقيف السياسى، فإيجاد مسرح أو شاشة سينما بالقرية يذهب اليه الأولاد قمة المدنية، والمسرح ديمقراطى بذاته، الفنون الجماعية كلها ديمقراطية، وتؤكد على مفاهيم الديمقراطية، وترسخ لدى النشء فكرة التعدد والاختلاف.
كما نسعى الآن إلى إعادة مشروع البرلمان الصغير الذى كان من قبل فى المركز القومى للطفل وتوقف، حتى يشعر أولادنا بفكرة الديمقراطية وكيف تدار من خلال مؤسسات دولة، وبالطبع لن نقوم بهذا بمفردنا، بل من خلال التعاون مع عدد من مؤسسات الدولة، فالدكتور جابر عصفور مهتم بفكرة التعاون وعقد برتوكولات مع وزارة الشباب ووزارة التعليم العالى، التربية والتعليم، وزارة السياحة، الاوقاف حتى يكون هناك صياغة للعقل المصرى وأعاد بناء منظومة التعاون بين هذه الوزارات لتشكيل الوجدان والعقل المصرى، واعتقد انها مرحلة مهمة جدا الآن.
وقد توليت مهام رئاسة الهيئة قبل شهرين، ومنذ هذا الحين ونحن ننشَّط وبقوة دور القوافل الثقافية والانتقال بها إلى المحافظات والقرى، وهذه القوافل بها ورش عمل عرض مسرحى، أفلام سينما، لتثقيف الناس سياسيا، ويمكن ان تبقى القوافل يوما أو لمدة اسبوع ثقافى فى القرية الواحدة، ومنذ أيام كنا فى البحيرة وبرفقتنا مفتى الديار وبحضور محافظ البحيرة ورافقنا عدد من نجومنا وفنانيننا، وقمنا من خلال القافلة بدور كبير فى الحديث مع المواطنين والحوار والتوضيح والتوعية السياسية والدينية، وسنكثف القوافل بصورة كبيرة لأهمية دورها الآن.
وما متطلبات مصر الجديدة من قصور الثقافة الآن؟
- مصر الجديدة بعد ثوريتن تتطلب الوصول بشكل مباشر إلى المواطنين إذا ما رغبنا تثقيفه والتأثير الإيجابى فيه، لإشعارهم بالتغيير بشكل ملموس، لذا سنعيد مشروع مسرح «الجورن» وكان يقوم على تنفيذه المخرج أحمد إسماعيل، وتوقف ويتضمن اقامة فريق العمل المسرحى فى القرية لمدة أسبوع أو أكثر، لتقديم عرض مسرحى بجانب عمل ندوات ومجموعات للرسم، وللشعر وغيرها من الفنون، وفى هذا الأسبوع يحدث تآلف وتقارب بين القائمين على العمل وبين أهل القرية، ومن خلال هذا التآلف يسهل التأثير والثقيف ونقل الأفكار، بل ويمكن ان يتبرع اهالى القرية بقطعة الارض التى اقيم عليها المسرح، لتتحول بعد ذلك إلى مركز دائم لمسرح الجورن، ويتم عمل شاشة سينما بها، ومن هنا تتوسع عملية اقامة المراكز الثقافية بصورة بسيطة وبتكلفة رمزية إلى ان تتوافر الموازنات.
ونهدف فى عروضنا المسرحية فى المرحلة القادمة غير الخروج إلى الناس، لاستعادة مهرجان سبق وقدمه قبل عامين محمد عبد الحافظ ناصف نائب رئيس الهيئة، وهو المسرح «التوعوى» وسيتم من خلاله احياء مسرح «العرائس» فى القرى والمدارس من خلال عروض صغيرة، وهو نوع من المسارح له جمهوره وشعبيته لدى الاطفال، وسيمكن من خلاله توجيه رسائل وتثقيف الاطفال والجمهور بصفة عامة، باسلوب بسيط ومحبب وشيق .
هل لا يزال لمسرح العرائس جمهوره مع التطور التقنى وانفتاح أبنائنا على شبكات الإنترنت وغيرها؟
- نعم لا يزال له جمهوره، وثبت بالتجربة ان تقديم أى عرض لمسرح العرائس بأى مدرسة، نجد الأطفال يلتفون فى قمة السعادة لمشاهدة العرض، وينفعلون ويتفاعلون مع العرض، ويشعرون انهم جزء منه.
ما دور قصور الثقافة في مواجهة حالة الاستقطاب الفكري والديني بالجامعات؟
- توجد انشطة مرتبطة بالجامعات، فى مجالات التثقيف وإقامة الندوات واكتشاف الإبداعات، ولكن للأسف توجد صورة ذهنية سابقة عن قصور الثقافة لدى الشباب، بأن هذه المؤسسة متهالكة وقديمة.. حكومية وتمارس انشطة تقليدية وأيضا بسبب الكلام الكثير السابق حول الفساد، ونحاول الآن تغيير هذه الصورة القديمة بإظهار الأنشطة العامة للهيئة، ونسعى أيضا لتغيير اسم هيئة قصور الثقافة إلى اسمها السابق وهو «الثقافة الجماهيرية»، مما سيسهم فى تعديل الصورة الذهنية، وبهذا سيكون لدينا دور اكبر داخل الجامعات فى المرحلة المقبلة.
فى تصورك كمثقف ما اسباب انجراف الشباب للتطرف؟
- السبب باختصار هي عدم قدرتنا السابقة على بناء عقلية نقدية متفتحة وحرة لدى الأبناء عبر الحوار، عقلية لديها القدرة على الاختيار والتمييز بين الخيارات المتعددة بحرية دون ضغوط أو قهر، والآن علينا ان نعالج هذا، فالعصر الحديث اتاح مصادر ووسائل كثيرة للمعرفة، ويهمنا فى المرحلة القادمة بناء «العقل النقدى» أى اعداد إنسان قادر على الاختيار سواء فى المدرسة، والجامعة، والتعامل معه داخل مراكز الشباب، وفى قصور الثقافة، أى فى كل مراحل العمر خاصة الأطفال، يجب ان نركز على بناء عقلية تستطيع الاختيار، ان تميز الأفكار الحقيقة والأفكار السالبة، بين فكرة المواطنة المبنية على الدولة المدنية، والتعددية وقبول الآخر، لان عصرنا قائم على التعدد الفكرى، وعلى التعايش.
- هناك من يطالب بإعداد منظمة عامة للشباب بعيدا عن الأحزاب أو التوجهات الفكرية والأيدلوجية المختلفة، ما رأيك؟
- أرفض هذه الفكرة، وأنا ضد الأفكار القديمة التى ثبت فشلها كفكرة التنظيم الطليعى، والأفكار القائمة على فكرة أيدلوجية واحدة مرفوضة، وأرى ضرورة التعامل المباشر مع الشباب من منطلق التنوع والاختلاف، وأدعو كل الإعلاميين إلى التحول لمبادرة نطلق عليها «الثقافة سلوك»، وكيف تنعكس الثقافة فى مضمونها الأشمل والأعم على سلوكيات الناس، على سلوك المواطن فى الشارع، على احترام المواطن للقانون، فأهم ما انجزته ثورة 25 يناير و30 يونيو هو تسلمينا لدولة القانون، ولن نتراجع عن هذا، ودليل هذا انه لدينا الآن رئيسان سابقان فى السجن ويتم محاكمتهما، وهذا قمة الديمقراطية ولم يحدث فى اى من دول العالم، اما مسألة انتشار الفوضى الاخلاقية والخروج عن القانون، فهى شوائب سيتم تصفيتها، لاننا سلمنا امرنا لدولة القانون.
ولماذا غاب دور قصور الثقافة مع الشباب فى العقود الماضية لتوعيتهم بفكرة التعددية وقبول الآخر؟
- لا نريد أن نظلم هيئة قصور الثقافة فى السنوات الماضية، كما لا نريد ان نظلم ايضا وزارة الثقافة، لأن كم المتغيرات فى السنوات الماضية من عام 90 إلى 2010 والمستمرة معنا الآن فى ثورة الاتصالات والسموات المفتوحة والثورة الرقمية، كل هذا كان من الصعوبة، بحيث ان الكثير من مؤسسات الدولة لم تتمكن من استيعاب كم المتغيرات الهائل فى هذا الزمن القصير، فما حدث من متغيرات فى العشرين عاما الماضية يعادل المتغيرات التى مرت بها مصر على مدى قرن كامل، سواء فى التفكير، فى التغيير، الرؤية العامة، فى رؤية العالم، وكل هذه الحريات المفتوحة عبر الفضائيات والانترنت، يعادلها فى المقابل تحكم مغاير ورقابة صارمة، فالموبايل مثلا كما هو مكمن الحرية لابنى أو ابنتى، هو فى نفس الوقت جهاز الرقابة الاساسى المرتبط بها، وهذه الثنائية المتناقضة كثير من الشعوب لم تنجح فى استيعابها، لكن لحسن الحظ المصريون استوعبوها وتفاعلوا معها، وتعاملوا مع الثورة الرقمية، ونجحوا فى استخدامها بكل الاشكال فى احداث التغيير لصالحهم، وهذا حدث فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
«لقد نجح المصريون فى عهد الإخوان فى تفتيت فكرة الأيدلوجيا الجامدة والصارمة التى حاول البعض فرضها عليهم، لانه لو وجدت بمصر الايدلوجية الجامدة لتم تدميرنا وتفتيتنا، لكننا نجونا ونجحنا فى الحفاظ على تعددنا وتنوعنا الثقافى داخل المجتمع المصرى، وهذا أسهم فى الحفاظ علينا، فلم يظهر لدينا التطرف والعنف والإرهاب بنفس القوة والبشاعة الذى ظهر فيها التطرف والارهاب فى دول أخرى محيطة بنا، فنجحنا بالتنوع فى امتصاص الهجمة الشرسة للتطرف الدينى والارهاب.
وسطية المجتمع المصري
إذا لولا تمسك المصريين بالتعددية والتنوع الثقافى لسقطنا فى براثن حكم الإخوان للأبد؟
-بالطبع فالتنوع ووسطية المجتمع المصرى الذى اصيب بالفزع والقلق على نمط حياته ومعيشته ساهم بصورة كبيرة فى احساسه المدنى، لان الشعب المصرى عاش رحلة طويلة من ايام محمد على، مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، ثقافة الدولة الوطنية الحديثة تقوم على فكرة المواطنة والحدود، لذا عندما جاءت فكرة شمولية حاولت ان تكسر هذه الحدود للدولة كما يحدث حولنا فى بعض دول الجوار، رفضها الشعب لانها تحمل فكراً مغايراً للطبيعة الحضارية لهذا المجتمع، والتمسك المصرى بالطبيعة الحضارية، تعنى بالتالى انه مدرك لكل مشاكله وليس مغيبا عنها.
كيف يمكن انهاء أزمة العنف الدائر فى الجامعات من قبل الإخوان ومؤيديهم؟
- بالحوار المباشر، وبجذب الشباب للأنشطة، وفتح أبواب التفكير أمامهم والخيارات، لان الشباب يعيش أهم مراحل البطولات فى تصور علم النفس، ويحاولون اثبات قدراتهم وامكانياتهم البطولية على إنجاز أشياء يعجز الكبار عنها، وقد شعروا بهذا فى ثورة 25 يناير، لذا لا يجب احباطهم، ويجب استيعابهم، وان ندفعهم للإبداع، ان نضع بجانب اللون الواحد الوانا متعددة، فمصر طيلة عمرها متعددة الالوان، وقد اكتئبنا من اللون الأسود الذى غطى حياتنا فى الفترة الماضية، ونحتاج الآن إلى ان يعود فستان الفتاة المصرية، فستان مصر كلها إلى لون مزركش متعدد الالوان يعود إلى بهائه، لان هذه هى مصر التى نعرفها، وأنا أحلم بأن أرى مصر ترتدى هذا الثوب المتعدد الألوان الذى تصنعه كل اطياف الشعب.
هل قامت قصور الثقافة بدور ملموس فى مراحل التاريخ المصرى التى شهدت انتقالات وتحولات سياسية؟
- بالطبع قامت بأدوار بارزة فى نشر العلم والثقافة، وتنوير المصريين بالمتغيرات التى يمر بها المجتمع، لان الفكرة الأساسية لانشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة باعتبارها جامعة شعبية، كانت قصور الثقافة تعمل على تعليم البسطاء فى القرى والنجوع الحرف اليدوية، وتساهم فى محو الأمية وتوسيع المساحة التعليمية وإبان ثورة 1919، حيث كانت مصر تتجه إلى مرحلة نهضة، وحمل مسئولية هذه النهضة جيل من الاساتذة والمبعوثين إلى الخارج، وكانوا يتحركون بشكل مباشر فى القرى والنجوع، واصبحوا بالفعل رعاة النهضة فى تلك الفترة، بفلسفتهم التي ارتكزت على «العلم فى مواجهة التخلف والرجعية».
ولما قامت ثورة 23 يوليو كان الدور العظيم الذى قام به ثروت عكاشة فى انشاء اكاديمية الفنون، وقام على التوازى معها انشاء الثقافة الجماهيرية بصيغتها المتعارف عليها، ثم تحولت بعد ذلك إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وفى الخمسينيات والستينيات كانت الدولة مؤمنة بأنه لن يغير هذا المجتمع فى رؤيته وتوجهه إلا نهضة ثقافية حقيقية، ولذلك اهتمت بالسينما وأذكر اننى فى قريتى البسيطة «بياهمو» فى سنورس الفيوم شاهدت تاريخ كل السينما وافلامها من خلال دار سينما فى القرية فى حينه بالوحدة المحلية، رغم انه لم يكن لدينا بالقرية قصر ثقافة.
ومن هذا المنطلق قامت الثقافة الجماهيرية، وبعد أن كان لدينا موقع ثقافي واحد أصبح لدينا الآن 560 موقع ثقافة من حلايب لشلاتين إلى مرسى مطروح والعريش ورفح .
ألا يعيدنا ما حدث فى عهد ثورة 1919 إلى ما يحدث الآن بعد ثورتين؟
- بالفعل، فاليوم وبمحض المصادفة يعود السؤال ويدور الاهتمام حول الثقافة الجماهيرية حتى تقوم بنفس الدور حاليا، لنشر النور العلمى، وهذا ما نسعى إلى استعادته فى المرحلة القادمة، ان يكون لدينا نوادى العلوم، نوادى التكنولوجيا، ونوادى الطيران كما كانت زمان، بجانب نوادى الطفل، المرأة، المسرح، السينما، فكل هذه النوادى كانت قديما بداية ضياء ونور دخل إلى قرانا بهدف اكتشاف المواهب ورعايتها، وعمل صيغة للتنمية البشرية داخل المحافظة أو الاقليم، ونحن فى هذه المرحلة نحاول ان نعيد لهيئة قصور الثقافة شخصيتها الاعتبارية، واستعادة الأدوار التى كانت سائدة بقوة.
لكن قصور الثقافة متهمة بعدم قيامها بدورها الثقيفى التوعوى ما قبل قيام الثوريتن، ومعظم مبانيها هياكل خربة ما ردك؟
- لقد تحملت هيئة قصور الثقافة فى الفترة الماضية اعباء كثيرة، منها دخول عدد كبير من العاملين اثقلوا موازنة الهيئة، واثروا سلبا على موازنات الانشطة التى على قصور الثقافة القيام بها، ويكفى ان نذكر ان موازنة الهيئة 500 مليون حنيه، عليها ان تغطى اجور 15 ألف موظف وعامل فى 560 موقعا، وقد احتاجت الهيئة إعادة هيكلة الموظفين اكثر مرة على 6 أقاليم لترشيد النفقات، وبالطبع الموازنة غير كافية على الاطلاق لتغطية الحجم الكبير الممتد من الأنشطة التى تقوم بها الهيئة، لذا لا يمكننا ان نتهمها بالتقصير، أو الغياب، هى فعلت ما عليها فى حدود الإمكانيات، ونحن نحاول الآن التغيير للأفضل.
وكم تحتاج الهيئة من موازنة للقيام بالادوار المطلوبة بنجاح؟
- تحتاج إلى ثلاثة اضعاف موازنتها الحالية، إلى 100 مليون جنيه إضافية، للانتهاء من الاعمال القائمة، ونبدأ فى تنفيذ الخطط الجديدة، كما نحتاج إلى زيادة تمويل من وزارة المالية لتنفيذ حكم المحكمة الذى أقر منح الموظفين 50% كبدل طبيعة عمل، فهذا سيمنح ارتياحا على مستوى العاملين بالهيئة، وهو حق حرموا منه سنوات طويلة.
إذا كانت الميزانية تمثل عائقا، فكيف سيمكن التوسع فى مهام وانشطة قصور الثقافة لاحقا؟
- سنتوسع من خلال تنمية موارد الهيئة بصورة ذاتية وتطوير عمل الهيئة لتحقيق العدالة الثقافية لجميع محافظات وقرى مصر، ونسعى إلي إيجاد موارد اقتصادية واستثمارية يمكنها ان تنفق ذاتيا على نشاطات قصور الثقافة دون الاعتماد الكلى على الدولة، ونخطط لعمل وحدات انتاجية ذات طابع خاص، منها مثلا انشاء استوديوهات وقد تم هذا بالفعل فى بعض قصور الثقافة، وهناك مشروع نعد له الآن بالاتفاق مع وزارة الشباب بعمل اول 100 شاشة سينما تجارية تتوزع على محافظات مصر، وسنعرض بجانب الفيلم التجارى فيلماً آخر من أفلام المبدعين الشباب سواء وثائقية أو روائية قصيرة، لتكون افلام الشباب بمثابة سينما بديلة.
وهناك مشروع آخر عرضه د.وليد سيف رئيس المركز القومى للسينما، لانتاج اول 100 فيلم سينمائى لشبابنا المبدعين، وسيتم الاعداد لمسابقة لاكتشاف المبدعين فى شتى المحافظات، من كتاب للسيناريو والمخرجين، وستتولى الهيئة العامة لقصور الثقافة بالتعاون مع المركز الثقافى للسينما إنتاج هذه الأفلام وعرضها، من خلال الاستفادة بالثورة الرقمية التى جعلت المعدات والآليات سهلة وفى المتناول بأسعار بسيطة .
القرية المصرية دائما الحاضر الغائب فى مشروعاتنا الثقافية، فما موقعها ما بعد ثورتين؟
- قدمت دراسة تحت اسم «دور الثقافة الجماهيرية فى التأسيس للدولة المدنية الحديثة» وتحدثت عن الكيان المادى على المستوى الجغرافى وعلى مستوى الفضاء نفسه، وذلك حتى يكون لدينا قصر ثقافة .. سينما ومسرح فى كل قرية للعمل على التجسيد المباشر للفضائيات المدنية، وقمنا بطرح نموذج، لتحويل قصور الثقافة إلى مراكز ثقافية، وليس الهدف هو تغيير الاسم فقط لان اسم «قصر ثقافة» يرتبط بصورة قديمة نمطية، أو لان كلمة قصر مهجورة وتعطى إيحاء بأنها من عصر قديم، لكن كلمة مركز الجديدة ستعنى تغيير الجوهر، وسيكون لكل مركز ثقافى قدرته على اتخاذ القرار بشكل مباشر بما يتلاءم مع محيطه الجغرافى، وسنطلق بذلك المنافسة بين مركز كل قرية وكل محافظة لتصل بمركزها الثقافى إلى مكان تتشرف به ويليق بها، وسيكون المركز شكل من أشكالاً التعبير عن العدالة الثقافية، والتوزيع العادل بين قرانا ليصبح الكل «مراكز».
وسنسعى لأن تكون هذه المراكز الثقافية متشابهة فى بنيتها البسيطة، وبدلا ان نبنى مبانى ضخمة ب50 أو 70 مليون جنيه، سنبنى مبانى بسيطة تراعى المناخ المصرى التى يتميز بالصيف فى معظمه، فتكون مفتوحة، مما يقلل التكلفة التى تواجه الآن مسارح وقصور الثقافة الحالية، وسنتمكن بثمن بناء قصر واحد ان نبنى 25 قصرا، لتحقيق الانتشار الأفقى.
قبل التوسع، توجد حاليا قصور ثقافة قديمة متهالكة ولا تعمل، كيف سيتم التعامل معها؟
- نعمل خلال الفترة القادمة على إعادة تشغيل وتنشيط هذه القصور، ونعمل أيضا على اتمام المشروعات المتوقعة، وفتح الأماكن المغلقة، حتى لا يتم تجميد أو اهمال هذه المشروعات وذلك قبل ان نبدأ فى مرحلة البناء والتغيير الجديدة.
وكم مركزاً ثقافياً جديداً تخططون لبنائه؟
- كما سبق الاشارة لدينا الآن 560 قصر ثقافة، نسعى إلى الوصول إلى ال7 آلاف قرية فى مصر واقامة مركز بكل منها ليكون مركز اشعاع ثقافى، ويمكن أن يتم ذلك عبر خطة عشرية، وليس بالضرورة ان يتم تحقيقها فى عهدى، لكن المهم ان نبدأ وان توضع خطة متكاملة لتغطية كل القرى المصرية.
هل تؤيد الاقصاء السياسى لأعضاء الحزب الوطنى أو الإخوان؟
- كل من مارس السياسة وثبت فشلة وتسبب فى افساد الحياة السياسية فى مصر يجب ان يتنحى، ويعطى فرصة للشباب والوجوه الجديدة لان تثبت وجودها ودورها، من حق مصر ان تعيد النظر فى كل الآليات القديمة، وان يتم إبعاد كل من مارس الفساد أو العنف أو تخلى عن مفاهيم المواطنة، أو من انتمى للجماعة ناجية، الفئة التى تطلق على نفسها مختارة، أو شعب الله المختار، وعلى هؤلاء ان يفهموا انهم ليسوا المتدينين فقط، بل أن إن المصريين متدينون، وانهم لن يخرجوا عن حدود المواطنة، لانهم يدركون معنى وفلسفة الدولة الوطنية المصرية، فثقافة الدولة الوطنية المدنية متجذرة منذ عهد أحمس، مصر اقدم دولة فى التاريخ، وبحدودها المعروفة، وهى دولة وطنية لانها أمة ودولة، ولا يمكن إبادة ذلك، فإذا ادرك كل الخوارج هذا المعنى الآن فأهلا بهم بيننا، إذا آمنوا ان هذا الوطن جدير بالاحترام ويعلو فوق الامم، الامة المصرية علمت العالم فجر الضمير الإنسانى، وعلمته الثقافة والحضارة ومفهوم الدولة الوطنية، عليهم الآن ان يؤمنوا برسالة الدولة الوطنية.
ما الرسالة التى توجهها للشباب الآن؟
- مصر بلدكم جميلة، مليئة بالاحلام، وعليكم السعى لتحقيق الأحلام بالتفاهم والحوار وطرق الأبواب، بعيد عن العنف، فأنا قروى من قرية بسيطة، وحصلت على حقى وعملت فى مجالات عديدة رفيعة، وحصلت على بعثة وسافرت لأوروبا وحصلت على دكتوراه من أهم الجامعات العالمية وأحصل على كل حقوقى بكامل الشرف، لذا اطلبوا حقوقكم بالشرف والأمانة. ونحن فى هيئة قصور الثقافة نستعد لاعداد صف ثان يتسلم منا المهام، صف من الشباب، فمصر تستحق وجود صف ثان من الشباب.
إلى اين تسير الثقافة المصرية؟
- تسير للأمام، وأنا متفائل جدا، مصر بخير، والثقافة بخير وشبابنا سيصبحون قوتها الناعمة التى تدفعها للأمام .
سيرة ذاتية
د. سيد خطاب استاذ الدراما والنقد بالمعهد العالى للفنون المسرحية وبأكاديمية الفنون، ممثل ومخرج مسرحى، حاصل على الدكتوراه من جامعة «لاسابينسا» الإيطالية عام 2007، عمل كمساعد مخرج فى المسرح ومن أفلامه «الرغبة» 1979 و«ضربة شمس»1980 و«الحريف» 1983 ومن مسرحياته «يوم عاصف جداً» و«زكى غبى جداً» و«الورثة»، حاليا رئيس مجلس الهيئة العامة لقصور الثقافة.
أجرت الحوار - فكرية أحمد:
تصوير : أشرف شبانة:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.