نقلب اليوم الورقة الثانية من أوراق الملف المطروح للمناقشة بشأن محاولات الإصلاح القضائي من خلال مراجعة موضوعية ودقيقة لمنظومة التشريعات القائمة، وقد رأيت أن يكون مضمون هذه الورقة متعلقا بقانون الإجراءات الجنائية وأول ما يدعو للدهشة عند مراجعة هذا القانون وقد شارف عام 2014 علي الانتهاء هو الوقوف علي تاريخ صدوره، فقانون الإجراءات الجنائية المصرية صدر بمرسوم ملكي ونشر في 15/10/1951 ومن ذلك يتضح أن ثلاثة وستين عاما تفصل بيننا اليوم وبين ميلاد هذا القانون، والصادم للنظر كذلك أن الأصل التاريخي الذي استمد منه قانون الإجراءات المصري نصوصه هو قانون تحقيق الجنايات الفرنسي وهو القانون الذي عرف طريقه إلي ذاكرة التاريخ في عام 1954 إذ حل محله قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي. وفي نظرة سريعة يبين أننا قد نقلنا قانون الإجراءات الجنائية من قانون يلفظ أنفاسه الأخيرة ونقلنا عنه فلسفة إجرائية ونصوصا تواري العديد منه من الواقع القانوني وحل محلها نظم وبدائل إجرائية حديثة تستلهم إعلاء فكرة حقوق الإنسان وضماناته الجوهرية. ولذلك ونحن نعرج علي هذه الورقة الإجرائية وقبل الخوض في تفصيلات النصوص التي تنفصم عن الواقع أو التي صدرت في لحظة انفعال تشريعي فأفرزت في التطبيق أسوأ مما كان قبلها، فسوف يكون الحديث بمثابة إطلالة عامة تكشف عن حالة التخبط التي عاشها قانون الإجراءات الجنائية منذ صدوره وحتي الآن. فحين صدر قانون الإجراءات الجنائية كان يعرف نظام قضاء الإحالة علي اختلاف مسمياته سواء في غرفة الاتهام أو مستشار الإحالة أو غير ذلك وبعد حالة من التردد عاشها المشرع الإجرائي حول الاسم الذي يطلق علي هذا النظام وتغييره مرة بعد أخري، وبين شكل هذا النظام وعدد القضاة ودرجتهم الذين يتولون القيام بتفعيل هذه الضمانة ورغم هذا التردد الذي يعكس التخبط والتشتت لدي المشروع ومسارعته للتغيير بمجرد الانفعال اللحظي، إلا أن مضمون الضمانة في الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الإحالة كان هو جوهر هذه الأشكال علي اختلاف مظاهرها إلا أنه ومن الأسف وفي لحظة تاريخية فارقة في مسيرة قانون الإجراءات الجنائية تدخل المشرع بتعديل في 1981 ألغي فيه ضمانة قضاء الإحالة وعهد إلي النيابة العامة بهذا الاختصاص لتجمع في يدها سلطات التحقيق والاتهام والإحالة. ورغم أن أصوات الفقه ورجال القانون المتخصصين قد تعالت في هذا التوقيت لتطالب بالإبقاء علي نظام مستشار الإحالة مع تصحيح الأخطاء، لم يلتفت المشرع إلي ذلك وسطر في تعديل عام 1981 شهادة وفاة هذا النظام بدعوي أن الإحصاءات قد كشفت عن قلة القضايا التي أصدر فيها مستشار الإحالة قرارات بعدم وجود وجه لإقامة الدعوي الجنائية. ورغم أن هذا العيب لا يتعلق بالنظام ذاته وإنما يتعلق بتطبيقه فقد أصم المشرع آذانه عن الجميع وألغي هذا النظام. وللحديث بقية سكرتير عام حزب الوفد