أعرف كما يعرف جموع المصريين أنك الأكثر ألما لضحايا الارهاب وحوادث الطرق في مصر - ليس فقط لأنك وطني صادق وإنسان نثق في نقائه ونبله ولكن لأنك رئيس مصر ومن المفترض ان يكون همك هو حاصل جمع هموم كل المصريين بمن فيهم من يعارضونك.. وأننا في مصر منذ آلاف السنين لا نرفع شكوانا الا لله حين ينعدم العدل على الأرض، وللحاكم حين تنعدم الثقة في عدل وإنصاف من حوله - ولهذا فأنا أكتب اليك داعيا الله أن يثبتك لنصل معك قريبا الى شاطئ الامان والسلام والنماء.. البلاء الأكبر في مصر يا سيادة الرئيس ليس الارهاب أو حوادث الطرق أو الفقر ولكن جد كل البلايا - الفساد - وانت يا سيدي أتت بك المقادير لتحكم بلدا اصبح الفساد فيه اسلوب حياة للملايين من الناس.. فساد الجهاز الاداري للدولة - فساد المحليات - فساد التعليم - فساد الثقافة - فساد الرياضة - فساد العمل الأهلي - فساد المؤسسات الدينية - فساد الفن - فساد رجال الأعمال - فساد النخب.. وطبعا فساد السلطة على مدي اكثر من أربعين عاما مضت. سيدي الرئيس.. أعرف أنك لست بحاجة لمن يسود الدنيا أمامك ولكنك في أشد الحاجة لمن يضيء ولو شمعة.. وأقول لك.. إن مؤشرات كثيرة تدعو للتفاؤل فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي وتحسن مناخ الاستثمار بعد أقل من نصف العام على توليك مقاليد الأمور في مصر.. أما الإرهاب الأسود فأنا على ثقة بأن مصر ستقضي عليه ونحتفل معا بدحره قريبا - قد يكون ذلك بعد عام أو عامين - المهم سننتصر في النهاية ولكل نصر ثمن - ونحن ندفع ثمن هذا النصر الآن من أرواح ابنائنا ومن أعصابنا ايضا، وعلينا ألا نجزع من ذلك.. ولكن يا سيادة الرئيس أعود للبدء وأقول لك إن جذور البلايا كلها في مصر تعود للفساد بمعناه الشامل وليس بالمدلول المادي للفظ، واصلاح الناس لن يتأتي بالخطب والوعظ والنصح ولكن عن طريق لا ثاني له.. قانون لا يرحم وعدالة لا تحيد.. المشكلة الكبرى يا سيادة الرئيس ان الفساد يزداد ضراوة في غياب سطوة القانون ويزداد انتشارا في غياب ميزان العدل بين الناس.. ولو استمرت الدولة في الانكفاء على مواجهة الارهاب ومحاولة حلحلة الاقتصاد وأعطت ظهرها لمجتمع تفتك به أمراض باتت مزمنة فإن النتائج ستظل كارثية وسيأتي بعدك من يحكم ويقول لقد تسلمت تركة ثقيلة.. الصين يا سيادة الرئيس قبل عام 1978 كان الفقر يفتك بها وكثير من سكان الريف كانوا يأكلون الحشرات ولحى الأشجار ثم جاء زعيم الاصلاح «هيساو بنج» واجتمع ببعض المفكرين وخبراء الاقتصاد وسألهم ما الحل؟ وكانت اجابتهم.. ثقافة جديدة تناسب القيم العالمية السائدة مع احترام الهوية الوطنية - انزعج القائد الجديد ورفع صوته.. الشعب يتضور جوعا.. فأجابوه.. الثقافة قبل الخبز - عليك ان تجعل الصينيين يفكرون بشكل جديد وبرؤية أوسع وامنحهم الثقة في انفسهم بعد أن دفنت داخلهم عقودا لصالح الحزب واللجنة المركزية.. من هنا تبدأ وانت مطمئن وسوف تجنى ثمار الاصلاح سريعا - وقد كان - ومن الصين الى مصر لأقول للرئيس السيسي إن مشكلتنا التاريخية مع التخلف والفساد ان المرض الحقيقي ليس في غياب الدولة عن الشارع أو الحي وليس في الشعور العام بوطأة الفقر ولكن الأخطر يا سيادة الرئيس ان تغيب الدولة عن عقل الناس وضميرهم الوطني - وأعتقد أنك لن تختلف معي لو قلت إنه من اللحظات التاريخية النادرة التي دخلت الدولة لعقول المصريين كان ذلك خلال عشر سنوات بالتحديد من حكم الرئيس جمال عبدالناصر (1956 - 1966) وهي ذاتها الفترة التي تحققت خلالها معدلات نمو كبيرة والأهم تغير فيها الناس وتبدلت نظرتهم لأنفسهم وللعالم.. أصبح المصريون أكثر اعتزازا بأنفسهم وبلدهم.. أحبوا الفنون الرفيعة وأقبلوا على الثقافة والفكر والتعليم.. كان المصريون حينها فخورين بمصريتهم.. وأعتقد ايضا يا سيادة الرئيس أنك ستشاركني الرأي أن من كان وراء تحول المصريين ليس فقط ولعهم بشخصية زعيمهم التاريخي جمال عبدالناصر ولكن لأن الدولة كان لديها رؤية واضحة لأهمية الثقافة للوصول لعقل الناس والارتقاء بهم.. سيدي الرئيس.. أصدقك القول دون تجاوز.. إنه حتى اللحظة لا قانون له سطوه ولا عدل له ميزان ولا ثقافة يحمل مشاعلها رجال اكفاء ويؤلمني أنني ادرك بإحساسي الشخصي أنك تدير معركة مع الارهاب ومع الفقر بكفاءة ونبل، ولكن معركتك مع التخلف والفساد لم تبدأ بعد وتأكد يا سيدي أن البيئة الحاضنة للارهاب هي بيئة التخلف والفساد- خاصة فساد العقول - ولهذا ادعوك لأن تبدأ معركتك الحقيقة وادعو لها رجال أشداء ونساء عظيمات.. وما أكثرهم وأكثرهن في مصر رغم عدم ظهورهم في برامج الفضائيات الحاضنة للتخلف والفساد وانعدام الثقافة ونبل الغاية.. وتلك معركة أخري لم تبدأها بعد..