قبل أن تقرأ: عندما كان حسني مبارك يحكم مصر، كان الارهاب باسم الدين يضربنا فيوجعنا.. وقعت حوادث دامية في أماكن متفرقة من العاصمة المصرية: المتحف المصري.. الحسين.. الأقصر.. وجميعنا نذكر مذبحتها الشهيرة.. والعمليات التي حصدت رؤوس فرج فودة، ورفعت المحجوب، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ واللواء زكي بدر.. هذه الجروح النازفة وغيرها كانت تروع المصريين جميعا، المؤيدون لمبارك ( آنذاك) والمناهضون لحكمه بكل مافيه من فساد وقمع وتعذيب، وبكل مافيه من تزييف للإرادة الشعبية، و«تفصيل للقوانين» سيئة السمعة، واحتراف تزوير الانتخابات البرلمانية.. ورغم كل هذا الاستبداد والفساد، فإن مثل هذه الحوادث كانت توحد المصريين المعارضين والمؤيدين ضد الإرهاب باسم الاسلام .. ولكن الحاصل هذه الأيام أن المجتمع كله يدفع ثمن الإرهاب.. ويضحي رجال الجيش والشرطة بأرواحهم، بينما هناك نفر من الثوار في خصومة مع «حكم العسكر» علي حد وصفهم.. فلا يابهون لهذه المواجهات أو لضحاياها، ولايلقون بالا للشعب «المروع».. لايرون من الصورة إلا استحواذ الجيش علي كل شيء.. من صنع المعكرونة الي تحصيل الرسوم علي الطرق السريعة، ومن بيع المواد الغذائية عبر منافذ القوات المسلحة إلي المنافسة علي مناقصات المشروعات الاستثمارية.. ومن انفراد الرئيس بالتشريعات الي عسكرة قيادات العديد من المؤسسات. ينشط علي صفحات التواصل الاجتماعي وبدرجة محمومة مناهضون لنظام الحكم الحالي.. وهم كتاب وصحفيون.. حقوقيون.. إخوان مسلمون.. منتمون بدرجة أو بأخري للتيار الديني.. لا بأس.. تجد من يذكرك ب «حمدين صباحي» فجأة ويقول لك: رجل مدني ليس فيه نقيصة»! وتجد من يقول لك: البرادعي؟ وتجد من يقول لك إن أشرف الناس هم المعتقلون في السجون.. ولايطرف جفن أي من هؤلاء لشهيد واحد ممن سقطوا في كمائن الموت والارهاب من رفح الاولي الي الثانية، ومن الفرافرة إلي كرم القواديس.. لم ينتبه أحد من هؤلاء الي جراح الشعب المصري.. كم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الشعب المسكين.. فتارة أنت شعب عظيم إذا أرادوا لك ان تنضم اليهم وتطالب بإسقاط حكم العسكر كما يري أنصار «حمدين».. وتارة هو شعب مخدوع.. يتلاعب به الرئيس السيسي كما تقول الناشطة الحقوقية ماهينور المصري الفائزة مؤخرا بجائزة «لودفيك» الرفيعة التي تمنح للمحامين المناضلين ضد الأنظمة القمعية! أيهما نصدق إذن؟ الذين يرون شعبنا عظيما لأنهم يريدون امتطاءه لخدمة أهدافهم بإسقاط العسكر (وكانوا فعلا يحكمون أيام مجلس عسكر طنطاوي- عنان وكنا ضدهم) أم الذين يرون شعبنا مخدوعا يتلاعب به الرئيس الحالي؟ هل ضربت قلوبنا قبل عقولنا أزمة «شيزوفرنيا» حادة؟ فلم نعد نميز بين ما نرفضه وما نؤيده؟ بين مانبكي له أو نبكي عليه؟ جرب المصريون الارهاب فنزفوا دما في عصر مبارك وتوحدوا خلفه، عند وقوع هذه الكوارث، وكانت نتائجها أضأل بكثير من أن تؤثر علي مصر كما هي الحال هذه الأيام، التي شارفت فيها مصر علي إعلان إفلاسها غير مرة، وتوقع - ولا يزال خبراء ومفكرون أن تضربها في الصميم أزمة جوع وتجتاحها ثورات جياع (حسن حنفي في حديث ل «الوطن الكويتية» الأسبوع الماضي) ومع هذا لم يعد هؤلاء المعارضون لنظام الحكم الحالي يذرفون دمعة واحدة علي شهيد أو تهتز قلوبهم لتفجير عربة مدرعة مليئة بالجنود فتجرح من تجرح وتبتر أيادي وأقدام من تبتر.. أليس لهؤلاء أهل يحبونهم؟ أليس وارداً أن يكون هؤلاء المعارضون أصدقاء لهم.. ألا يتصادف أن يكون الضحايا من أقاربهم أو إخوانهم؟ كيف أصبحت قلوب المعارضين - علي تباينهم الفكري والسياسي الشديد وكأنها قدت من صخور وأحجار؟.. كيف للأناركيين أن يتوحدوا مع الاشتراكيين الثوريين مع الإخوان المسلمين مع الليبراليين مع اليساريين (قلة منهم) ضد الجيش والشرطة.. باعتبار ميراثها السيئ وتاريخها المشين الذي ارهق المصريين بطشا وتعذيبا وإهداراً للآدمية، في العهد المباركي (اللامبارك) ولايزال أثره ممتداً حتي الآن؟ كيف توحد هؤلاء معا؟ كيف لم يفرز الخطر الذي يواجهه الوطن بين ثوري يريد إقامة دولة مدنية حديثة وبين الفاشيين الدينيين الذين يريدون إقامة فاشية دينية في مصر، لن تبقي عليهم أصلا؟ كيف توحدوا بل وكيف أصبحت نظرتهم للجنود خالية من التعاطف والتقدير والحزن علي أي مكروه يصيبهم وكأنهم أصبحوا فجأة يدافعون عن اسرائيل؟ ولعلي أسمع صوتا هنا يرفع عقيرته ليقول متبجحا: نعم يدافعون عن اسرائيل لأنهم حينما يقيمون منطقة عازلة بين القطاع ورفح المصرية إنما يجففون منابع الحصول علي السلاح ويمنعونها من الوصول الي الحمساويين، قوة المقاومة العربية الوحيدة، وبالتالي فإن تنفيذ هذه الأوامر يعني أن المقاومة المسلحة للصهاينة أصبحت «كل سنة وأنت طيب»! وكأن المقاومة نجحت في تحرير شبر من التراب الفلسطيني.. وكأننا لانري ماحل بهذا التراب وكيف أصبح موحلا لكلا الفصيلين المتناحرين باسم الديمقراطية؟ بعد أن قرأت: سيدة مصرية نشرت علي فيس بوك صورة لرجال ونساء أردن التعبير عن دعمهن للجيش بعد العدوان الجبان الذي حصد عشرات الشهداء والجرحي .. واختارت أم مصرية من الشعب الذي يقولون: إنه عظيم عندما يريدون، أن تضع علي رأسها «بيادة» عسكري مصري في تعبير بسيط لم تسعفها تربيتها وثقافتها بغيره.. فانهالت عليها التعليقات الساخرة.. فمنهم من يري أنها من عبيد البيادة، ومنهم من رأي أنها أم فقدت ابنها ولذلك فإنها لكي تمجد ذكراه وضعت بيادته علي رأسها، وتنتظر ابنها الآخر ليأتي للقصاص» ممن ذهبوا بجنودنا الي هناك «ليلقوا حتفهم.. إلا أن متابعا آخر رأي في الصورة مايستدعي القول»: «إيه اللي وداهم هناك بس».. ويضيف: لعل هناك شريفا في الجيش يهب لأخذ حقها من كل العسكر الذين يذهبون بأبنائنا للموت، والذين يحكموننا الآن وهم عملاء لأمريكا واسرائيل!! هكذا أيها السادة.. شيزوفرانيا لاحل لها.. أحسن الله عزاءكم جميعا البقاء لله في بقية العقل والتعقل التي كنتم تنعمون بها.. إنا لله وإنا اليه راجعون!