تزايدت ظاهرة الجهر بالإلحاد فى مصر في الفترة الأخيرة، وخاصة عقب ثورة 25 يناير، الأمر الذي يطرح تساؤلًا عن السبب وراء ذلك، فيما قال علماء ورجال دين إن هؤلاء الفئة من الناس يتاجرون بالدين لتحقيق منافع شخصية. رصدت "بوابة الوفد" أحاديث عدد من الملحدين، والذين أعربوا عن استيائهم من معاملة البعض لهم بشكل سيئ، مطالبين بحقوقهم واعتبارهم مواطنين وليسوا كائنات فضائية. فقال إسماعيل محمد، إنه أعلن إلحاده للجميع، مضيفًا أنه سبق له الظهور قبل ذلك في برنامج تلفزيوني مصري معروف، مما أثر على علاقته الاجتماعية مع من حوله. وطالب محمد بدولة المواطنة التي لا يوجد بها قوانين تفرق بين مواطنيها وتعطي جميع أفرادها حقوقهم كاملة دون التفرقة بينهم بسبب اختلاف الفكر والرأي. ولفت محمد إلى وجود عدد كبير من الأشخاص لا يعترفون بالأديان ولكنهم بالرغم عنهم محسوبون في أوراقهم الرسمية على أنهم مسلمون أو مسيحيون، وتطبق عليهم شرائع هذه الأديان وقوانينها، موضحا أن الثورة التكنولوجية الحديثة أفادت كثيرًا في نشر الفكر اللاديني. وصرح أيمن رمزي، أنه يرفض أن يطلق عليه أحد كلمة ملحد فهو يرى نفسه "إنساني"، وهو اتجاه عالمي موجود في كل دول العالم، مضيفًا أنه يرى أن الأديان الأخرى لا تهتم إلا بالقتل والعنف وكراهية المختلف والمذاهب التي لا تقبل الآخر. وأفاد رمزي بأنه يهتم بأن يكون الإنسان ووجوده الآن هو محور الاهتمام وليس أي تعاليم ووعود لما بعد نهاية الوجود لم نرها ولم نختبرها. وطالب رمزي، رجال الدين المصري بقبولهم، مبينًا أنهم يجب عليهم ألا يرتعبوا بوجود فئة أخرى تختلف عنهم في المجتمع فيرهبونها ويضيقون عليها الخناق ويطلقون عليها قوانينهم الدينية التي تقتل وتذبح. وأضاف رمزي، أن الثورة الأخيرة في عالم التكنولوجيا وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ساعدتهم كثيرًا على نشر فكرهم الإنساني وسهلت مهمة تواصل بعضهم مع بعض، بالإضافة إلى دورها في كشف هشاشة تعاليم الأديان والمعتقدات المختلفة. وأشار رمزي، إلى أن من أهم مطالبهم تفعيل حرية العقيدة وإتاحة الفرصة للتعبير عن الرأي، واعتماد مواد الحرية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإلغاء خانة الديانة من البطاقة، وعدم وجود مرجعية دينية سواءً الكنيسة أو الأزهر بالإضافة إلى عدم تداخلهم في صناعة وصياغة القوانين والمواد الدستورية والسماح بأن يكون الزواج مدنيًا. وأكد محمد أن اللادينيين في مصر غير قادرين على أن يعبرو عن رأيهم بحرية. وطالب محمد، بإلغاء قانون ازدراء الأديان وإلغاء خانة الديانة من البطاقة، بالإضافة إلى تفعيل الزواج المدنى وحرية الرأى والتعبير والحماية القانونية الكاملة لمن يعبر عن رأيه. وقال ألبير صابر، إنه ترك ديانة المسيحية مؤكدًا أنه لم يتبنها في الأساس كي يرفضها فهي كتبت له في شهادة ميلاده مسيحي. وأوضح صابر، أن رحلته مع الإلحاد بدأت في بداية دراسته الجامعية، حيث أنه سأل نفسه أسئلة كثيرة عن الدين، منها "لماذا الدين بالوراثة؟ وما الدليل أن الدين الموروث هو فقط الوحيد الصحيح؟"، ثم بدأ بعدها بدراسة الأديان وفي النهاية اكتشف أن جميع الأديان لا تستقيم مع أي عقل أو منطق. وانتقد صابر الإعلام الذي اعتبره لا يفكر في الدفاع عن حقوق الملحدين ويعتبرهم كائنات فضائية غير موجودة على أرض مصر، وتابع قائلًا "إحنا بشر عاديين مش شياطين كل الموضوع إننا حاولنا نفكر ونشغل دماغنا علشان نعرف فين الصح". وردًا على التصريحات السابقة التي توضح فكر العديد من الملحدين الذين يسعون إلى نشر أفكارهم في ظل التكنولوجيا الحديثة، رصدت "بوابة الوفد" آراء عدد من رجال الدين المسلم والمسيحي للرد على أفكارهم الهدامة لأصول الأديان السماوية. فمن جانبها، قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة إن التطرف والتجارة بالدين سبب تزايد الإلحاد لأن استغلال الدين لمصالح ومنافع شخصية يمس قدسية الدين عند بعض ضعاف النفوس، مؤكدًا أن التطرف الذي انتشر لدى أدعياء الدين يدفع الشباب إلى رفض الدين والبعد عنه وإعمال العقل في غير موضعه. وطالبت نصير من يعتلي المنابر بأن يكون قدوة حسنة وأن يغير من نمط الدعوة، وأن يقدموا الإسلام بصورة مشرقة معاصرة تخاطب الفكر المعاصر بكل ما فيه من تقلبات وتغيرات. وأضافت نصير أنها لا توافق على أي اضطهاد لهؤلاء الشباب وأن الحل الأمثل هو استيعابهم ومحاولة توضيح مفاهيم الأديان الصحيحة لهم. على الجانب الآخر، أوضح محمد البسطويسي، نقيب الدعاة، أن الفكر التكفيري الذي انتشر الفترة الأخيرة، يعد من أهم أسباب انتشار الإلحاد، لأن بعض الشباب اعتقدوا أن الدين يأمر بالقتل والإرهاب وقطع الرؤوس كما تفعل داعش. وطالب البسطويسي الأزهر بمواجهة هذا الفكر اللاديني ومواجهة الأفكار الخاطئة لدى هؤلاء الشباب باعتباره كعبة العلم ومنارة الإسلام، معربًا عن أسفه لمحاولة الإعلام تهميش دور الأزهر والتقليل من شأنه. وأشار البسطويسي إلى ضرورة الرد على هؤلاء الشباب بالمنطق والفكر، إضافة إلى عمل ندوات ومناظرات معهم في الكثير من المحافظات لمحاولة تغيير المفاهيم الخاطئة التي يعتنقها هؤلاء الشباب. ووجه البسطويسي، رسالة إلى الشباب الملحدين، قائلًا: "اتق الله في نفسك وفي عقلك ولا تكن كالبهائم لأن الله ميزك بالعقل وإياك أن يغرر بك وأن تتخذ ذريعة لأهداف أخرى". وقال القمص عبدالمسيح بسيط، أستاذ اللاهوت الدفاعي في الكنيسة القبطية الأرثوكسية، إن فقدان القدوة لدى الشباب من أهم أسباب الإلحاد، وذلك لأن الشباب بعد ثورة 25 يناير كانت لديهم أحلام وطموحات كثيرة وكانت لديهم صور جيدة لأشخاص كثيرين لكنهم سرعان ما انكشف لهم أنهم تم خداعهم، وأن هؤلاء الأشخاص يستغلونهم لخدمة مصالحهم الشخصية خصوصًا الأشخاص الذين كانوا يتحدثون باسم الدين. وأفاد بسيط، أنه يجب على الوعاظ من رجال الدين سواءً المسيحي منهم أو المسلم أن يقدموا الدين في صورة تسامح وسلام ويجب أن يبتعدوا عن تخويف الناس في أغلب الوقت بالنار وعذابها. وبين بسيط، أن مخاطبة هؤلاء الشباب ليست بالسهلة مؤكدًا أنه لابد أن يكون هذا الشخص على قدر كبير من المعرفة بالعلوم المختلفة لكي يستطيع أن يرد على كلامهم فالمناقشة يجب أن تكون مبنية على العلم والمنطق والعقل بعيدًا عن الدين لأنهم غير مقتنعين بالدين ولا بالكتب السماوية.