صراع الحضارات الان ما هو إلا مفهوم آخر للحروب، التي ولدت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبروز الولاياتالمتحدة كقوة أولى عالميا، وحلم المحافظين الجدد فى هذا الصرع يركز على ثلاثة أشياء تدمير الأسد، ومهاجمة إيران وزعزعة استقرار روسيا، إلى جانب أن الحروب لن تصبح بين الدول بل ستصبح بين الكيانات والأنظمة، التي لا تخدم مصالح النظام العالمي الجديد بقيادة الولاياتالمتحدة والغرب بمساعدة تنظيمات تخلقها أمريكا والصهيونية العالمية مثل القاعدة وداعش. وجبهة النصرة، وما شبه للسيطرة على مصادر الطاقة في العالم والاقتصاد العالمى، وتطبيق سياسة الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في المعمورة. وهي المحور الأساسى لهذا النظام الذى يتخذ أشكالاً ومسميات للتواجد كالثورات الملونة والربيع العربى ومحاربة الارهاب. وكل هذا يستند على ثلاثة مخاوف أساسية تزعج الغرب: الاولى خاصة بالنمو الديموجرافي للشرق، لأن الغرب لا يمثل إلا 20% من سكان العالم. والثانى التخوف من الإسلام لأن عدد المسلمين في تكاثر، وهذا ما جعلهم يصلون إلى قرابة 40 % من سكان العالم. وأما الأخير فمبنى على سيطرة روسيا فى ظل الحكم البوتينى مع تطور آسيا وخاصة اليابان، مع رغبة الغرب الملحة في العودة الى الدول التى استعمرتها سابقا، لانها تعنى لها النفوذ المادى والسياسى للسيطرة على مقدرات الشعوب. وكل هذا ناتج من أن الغرب يجهل تاريخ وقيم الشرق بسبب نزعته المركزية. الى جانب أنه منذ القدم والثقافة الغربية محملة بأوهام كثيرة تجعل من الإسلام عدواً تاريخياً وتقليدياً للغرب، ومصدر هذه الأوهام ليس دينياً فقط، بل إن العوامل السياسية والاقتصادية عمقته وجعلته يتخذ أشكالا أكثر عنفا ونفورا استقرت في أعماق الوعي الغربي، وجعلتها دائما متحفزا وباحثا عن وسيلة للانقضاض على الشرق، وما زرع اسرائيل بداخله الا حجة مبررة للعودة اليه من جديد بأساليب وصور مختلفة، وقد وجدت هذه الخرافة فرصتها الذهبية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي من خلال البحث عن شيطان جديد يحل محل الشيطان القديم الذي ترك وراءه فراغاً عدوانياً لا مناص من ردمه. وكما هو معلوم فإن الذات تجد نفسها عن طريق الآخر. وقد كان واضحاً منذ الأيام الأولى لسقوط جدار الارتطام القديم (الحرب الباردة)، بحث الغرب عن آخر يواجهه ويقاومه ويشعر بذاته من خلال الصدام معه. ولم يكن هناك أفضل من الإسلام ليجسد هذا الآخر، ذلك أنه ومنذ القديم شكل الإسلام هذا الآخر. وهكذا وجد العالم المتقدم من جديد في العالم الإسلامي البديل العدواني للاتحاد السوفيتي، وبدأت الخرافة القديمة بالانبثاق والظهور، وبدأت عمليات النسج الخرافي تلف الإسلام لتظهره على أنه «الآخر»، وكذلك «الوجه المناقض للتقدم والإرث المعادي لمسيرة الحضارة».وقد بذلت الصهيونية العالمية في هذا الإطار مجهودات كبيرة من أجل تشويه الصورة الإسلامية في الغرب ومما يدعم وجهة النظر هذه أنَّ هنتنجتون نفسه صاحب نظرية صدام الحضارات مقرب جداً من دوائر صنع القرار في أمريكا، وبالتالي فإن نظريته تعد أحد المخارج التي توصلت إليها النخب الحاكمة في الولاياتالمتحدة والغرب للحفاظ على مكاسبها الناجمة عن استمرارية موازنات الحرب في الارتفاع، وعن تنازل المجتمعات الغربية عن جزء مهم من حقوقها في الرفاهية والتقدم مقابل الحصول على قدر أكبر من الأمان تجاه الأعداء المفترضين. إلى جانب أن الخوف من عودة روسيا الى مكانتها السابقة، وخاصة مع دعمها لبعض شعوب المنطقة وعلى رأسها سوريا، وسيطرتها على القرم. وهذا يفسر موقف واشنطن لقيادة تحالف جديد لمحاربة (الإرهاب) في المنطقة بمعارضة دول (البريكس) والردود الروسية الايرانية على وجه الخصوص في ملفات عدة تبدأ في أوكرانيا ولا تنتهي في سوريا والعراق. ومن هذا المنطلق علينا تعريف الارهاب على انه نصل اممي لن يكسر إلا بعد تحقيق أهدافه واستنفاد غاياته. فالتكتيك الأمريكي يطلب شيئاً ويريد شيئاً آخر، في العلن يريد القضاء على الإرهاب وتحقيق الديمقراطية وتحت الطاولة وفي الملحقات تكمن الفرص (الهايدروكربونية) من النفط والغاز، والسيطرة على العالم. وفى الواقع أن الكاتب انطوان مرعب في كتابه «أنابيب حمراء» أشار الى ان مشكلة الشرق الأوسط تكمن في وجود ثروات طبيعية (الغاز والنفط») فتحول الصراع الحضارى الى صراع جيو-سياسي وجيو-استراتيجي عبر تحالفات عالمية جديدة تهدف للسيطرة على ثروات المنطقة، مما أدى إلى حصول هذه الفوضى التي انتشرت في هذه الدول العربية وان لم تكن هذه الثروات هي السبب الأساس. فالأهمية الطبيعية لثروة هذه المنطقة هي التي ساهمت بتطور الاحداث والنكسات التي تعيشها هذه المنطقة. منذ حرب 1973. فاستخدام هذا السلاح من العرب ضد الغرب ساهم بشكل أساسي بوضع استراتيجية غربية للسيطرة على منافذ وطرق هذا النفط. ولكن مع بروز حرب 1990 في الخليج وبروز منابع جديدة للنفط في ايران وقطر وروسيا، ساهمت بتفاقم الصراع حول تأمين خطوط النفط من خلال السيطرة على البحار، مما ساعد على تسمية الصراع بأنه «صراع امدادات الطاقة».. وأخيرا وليس آخراً تتعدد صور الصراعات وتجمل بكونها اختلافات حضارية ولكنها فى النهاية تصب فى أنها لا تخرج عن كونها مطامع استعمارية تلبس قناع الحروب الدينية فتكون الحروب الصليبية والعرقية فى البوسنة والهرسك وما شابه، أو محاربة ارهاب مثلما حدث فى أفغانستان والآن فى سوريا والعراق، أو من أجل الديمقراطية بالربيع العربى والثورات البرتقالية، وصراع الحضارات هو الاسم البراق لنهب ثروات الشعوب!