أزعم أن الاتجاه نحو إقامة مشروع قومي للتعليم، خطوة مهمة، بل شديدة الأهمية، وأتعجب عن سر السكوت عن اعلان مثل هذا المشروع الذي لا يقل أهمية عن مشروعات قومية معلنة لعل أبرزها مشروع قناة السويس الجديدة، ورغم الاهمية القصوي لمشروع القناه إلا أن الاهم وعاجل بناء منظومة تعليمية تبدأ من سن الحضانة وتنتهي بالتعليم الجامعي وما بعده من أدراج ومراتب البحث العلمي، العالم من حولنا يتقدم ونحن محلك سر، هذا التقدم لم يأت من فراغ بل من نهضة تعليمية شاملة، ومن تحرك فعال من الحكومات، وأتصور أن ما يجري حاليا من كلام عن نهضة تعليمية ما هو الا «طق حنك» من مسئولي التعليم، لأن الناس لم تشعر بأي تحسن، سوي في التصريحات التلميعية علي طريقة «أبو لمعة» والخواجة «بيجو». وأعتقد أن سبباً رئيسياً لما نحن فيه هو عشوائية اختيار المسئولين عن التعليم سواء ما قبل الجامعي أو الجامعي نفسه، مثلا مرحلة التعليم الاساسي لم يتم اختيار وزير لها متخصص في المجال التربوي منذ ما يزيد على 35 سنة منذ عهد الدكتور عبد السلام عبد الغفار، ربما كان ذلك من أسباب كثرة تغير المسئولين عن التعليم، فمنذ ثورة 25 يناير، تغير علي كرسي التربية والتعليم 6 وزراء بمعدل وزير كل 6 شهور!!. إن عدم وجود استراتيجية واضحة للتعليم، يضع عبئاً كبيراً علي القيادة السياسية، ونأمل من الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يبادر بنفسه ويعلن بنفسه عن المشروع القومي لتطوير التعليم، أسوة بما حدث في مشروع قناة السويس، شخصيا أتوقع حدوث ذلك من الرئيس خصوصا وأنه وجه أكثر من مرة بضرورة التطوير، وأتصور أن الفريق الاستشاري العلمي للرئيس والمختار من أكفأ أبناء مصر سوف يضع رؤيته أمام الرئيس حول المشروع القومي للتعليم الذي يناسب مصر الجديدة، بعد ثورتين كبيرتين، هزتا أركان الفساد وأظهرت مدي هشاشة وعقامة التعليم في بلادنا، وللأسف مازلنا حتي اللحظة، نعمل بطريقة ما قبل ثورة 25 يناير، والاكتفاء بتسيير الأمور، وإذا جاز لي أن أتحدث كولي أمر، فإني أري مدارسنا وجامعاتنا كما هي لم تصلها الثورة، والدليل أن المنتج النهائي وهو الخريجين، ضعفاء بل وصل الامر الي أن عدداً من الخريجين من بعض الكليات النظرية سواء في الأزهر الشريف أو الجامعات العادية لا يجيدون الكتابة والقراءة، فيما كان من يحصل علي الابتدائية زمان كان لديه علم وخبرة لغوية وعلمية ربما تعادل حملة الدكتوراه حاليا. هذا هو الواقع الاليم الذي نعيشه، وزراء تعليم يعملون بطريقة موظف عمر أفندي، يعملون بالاوامر والتوجيهات ليس لديهم رؤية ولا قدرة علي عمل مشروع قومي للتعليم ولذلك أؤكد أن المسألة في يد رئيس الجمهورية. إن حالة منظومة التعليم فى بلادنا تكشف عن غيبوبة افقدتنا ريادة كنا نفتخر بها وساهمت لعقود طويلة فى نشر التعليم وتطويره فى العديد من الدول العربية الشقيقة، هذه الريادة ذهبت إلى غيرنا، وانحدر تصنيف مستوى التعليم فى مصر الي أدني الدرجات العالمية وفقدت مخرجاته القدرة التنافسية فى أسواق العمل.! وصارت منظومة التعليم لدينا عاجزة عن استيعاب طبيعة وأبعاد الثورة التكنولوجية الشاملة، التي يتحدد بها موقع الدولة والمجتمع فى عالم سريع التغير شديد التنافسية. وكان طبيعيا، والحال كذلك، أن صارت دائرة البوصلة خارج دائرة التنافسية وفقدت العملية التعليمية متطلبات التنافسية لأسواق العمل المستهدفة. أبغي التحدث عن حال مدارسنا السيئ ليس فقط من الناحية التعليمية المتدنية، ولكن من نواح أخري أشد سوءا، فلا نظافة، ولا أمان، ولا مباني محترمة أو ديسكات للجلوس عليها، ولا أنشطة بما في ذلك المعامل والمكتبان، باتت المدرسة بورصة للاتفاق علي الدروس الخصوصية، وموقعا مناسبا يستجم فيه المدرس من عناء السهر طوال الليل لاعطاء الدروس الخصوصية، أصبح التنافس بين المدرسين هو من أكثر أموالا من الآخر، و صار من له شهرة في الدروس الخصوصية يحظي باحترام الجميع، لم يعد أحد يخاف علي المدرسة، كان الناظر زمان يمنحنا دروس تقوية صباح كل يوم قبل الطابور، ولم يحصل علي مليم واحد، وكان يعرفنا بالاسم ويعرف آباءنا، وكان يحاسبنا حساب الملكين عند أي تقصير، والسؤال : هل يعود «الضمير الحي» الي مدارسنا، وهل نتخلص من آفة الدروس الخصوصية، التي خربت بيوت المصريين، لعل وعسي أن يخرج المشروع القومي للتعليم في أقرب وقت، وكما قلنا لا مفر من ذلك، أري قي الأفق بصيصا من النور في هذا المشروع الذي يحدد مصير البلاد والعباد.