يصادف اليوم الأحد، الذكرى ال97 لوعد بلفور المشؤوم الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين والذى عرف بوعد "من لايملك لامن لايستحق" . وتختلف الذكرى هذا العام عن سابقاتها لحدوث تغيير إيجابى، لاسيما بعد قرار مجلس العموم البريطاني "البرلمان" في 13 من اكتوبر الماضى، الذى صوت بأغلبية ساحقة لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، والذي يمهد للتصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح الاعتراف بحدود دولة فلسطين والانسحاب الإسرائيلي التام منها وفق جدول زمني محدد. وعلى الرغم من أن هذا القرار لا يأخذ الصفة الإلزامية إلا أنه يشكل نوعا من التغيير الإيجابي في الموقف البريطاني، لتخفيف العبء الذى وقع على الفلسطينيين جراء هذا الوعد المشؤوم. ويرى المناصرون للقضية الفلسطينية أنه اعتراف من بريطانيا بخطأها الواقع على الفلسطينيين لإجبار إسرائيل على تغيير سياستها بعد قرابة القرن من الزمان على "وعد بلفور". نص وعد بلفور وزارة الخارجية 2 نوفمبر 1917م عزيزي اللورد روتشيلد يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح. المخلص آرثر بلفور بداية الفكرة ترجع البدايات الأولى لفكرة إنشاء وطن خاص باليهود، يجمع شتاتهم ويكون حارسًا على مصالح دول "أوروبا" الاستعمارية في الشرق إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر، وتجلى ذلك بوضوح في خطاب "نابليون بونابرت " قائد الحملة الفرنسية على مصر الذي دعا يهود الشرق؛ ليكونوا عونًا له في هذه البلاد. وقد وجدت هذه الدعوة صدى كبيرمن اليهود ،ومع نهايات القرن التاسع عشر انتقلت فكرة الصهيونية التي تزعمها "تيودور هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية - من مرحلة التنظير إلى حيّز التنفيذ، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل عام 1897، وظهر ذلك بوضوح في سعي الصهيونية الدائم للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي يهودي. دخول بلفور حيز التنفيذ كان التفكير يتجه في البداية إلى منح اليهود وطنًا في شمال أفريقيا، ثم اعقب ذلك تحديد منطقة شمال سيناء، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، فاتجه تفكير اليهود إلى "فلسطين"، وسعوا للحصول على وعد من "تركيا" مقر الخلافة العثمانية و صاحبة السيادة على "فلسطين" لاقامة وطن قومى لليهود على ارضيها. سعى "هرتزل" إلى مقابلة السلطان "عبد الحميد" الخليفة العثمانى، وحاول رشوته بمبلغ عشرين مليون ليرة تركية، مقابل الحصول على فلسطين، ولكن السلطان رفض وقال: "لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدة من البلاد؛ لأنها ليست لي، بل لشعبي، لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال، فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل، إنما لن تقسم إلا جثثنا، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرضاً كان". الطريق إلى وعد بلفور لم يثنِ "هرتزل" عن المضي في العمل على تحقيق مشروعه، وبدأ يحث اليهود على نشر فكرتهم على نطاق واسع في أوروبا، حتى وجدت صدى وتجاوبًا لها في الغرب لدى عدد من الساسة والزعماء. بلفور اشد المتحمسين بالفكر الصهيونى وكان "آرثر بلفور" وزير الخارجية البريطاني من أكثر المتحمسين لهذة الفكرة فقد كان معروفًا بتأثره بالفكر الصهيوني، وتعاطفه الشديد مع اليهود. وسعى الصهياينة في التقرب من البريطانيين مع التأكيد على قدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها فى الشرق الاوسط حتى بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسية لفكرة الوطن اليهودي والذى ركز في البداية على مفهوم إيجاد ملجأ للمضطهدين من اليهود المهاجرين. معارضون لوعد بلفور قوبلت فكرة اقامة وطن قومى لليهود على ارضى ليست من حقهم معارضة شديدة من بين اليهود أنفسهم، خاصة اليهود الليبراليين الذين استطاعوا أن يندمجوا في المجتمعات التي عاشوا فيها، ورأوا في هذه الفكرة دليلاً قد يتخذه أعداء السامية على غربة اليهودي، وعدم قدرته على الاندماج في المجتمع الذي يعيش فيه، وعدم انتمائه إلى موطن إقامته. ولكن بعد نقاش طويل داخل "مجلس ممثلي اليهود البريطانيين" رجحت كفة مؤيدي الفكرة، وكان "حاييم وايزمان" و"ناحوم سوكولوف"، من أكثر الصهيونيين حماسًا لهذه الفكرة وتأييدًا لها. وأظهر "وايزمان" بداعة سياسية ونشاطًا دؤوبًا في إقناع ساسة الحلفاء بوجهة نظر الصهيونيين؛ لدفع "بريطانيا" إلى وضع فكرة الوعود في حيّز التنفيذ. وفور إعلان هذا الوعد سارعت دول أوروبا، وعلى رأسها "فرنسا" و"إيطاليا" و"أمريكا" بتأييده، بينما كان في مناطق العالم العربي وقع الصاعقة، واختلفت ردود أفعال العرب عليه بين الدهشة والاستنكار والغضب. بريطانيا تخدع العرب كانت فرنسا صاحبة أول بيان صدرتأييدًا لتلك المبادرة الشائنة، فقد أصدر وزير الخارجية الفرنسي "ستيفان" بيانًا مشتركًا مع ممثل الجمعيات الصهيونية "سكولوف"، عبّرا فيها عن ارتياحهما عن التضامن . وبعد تأييد الحكومتين الإنجليزية والفرنسية في قضية إسكان اليهود في "فلسطين" سادة حالة من السخط والغضب بين العرب من ذلك الوعد المشئوم "وعد بلفور". وعد بلفور".. بيت العنكبوت الذي صار حصنًا وبالرغم من كل المكاسب التي حققها اليهود من "وعد بلفور" فإن كثيرًا من السياسيين والمؤرخين يدفعون ببطلانه، وبالتالي بطلان كل ما ترتب عليه من مغالطات وأكاذيب، فلم تكن فلسطين، عند صدور الوعد جزءاً من الممتلكات البريطانية، حتى تتصرف فيها كما تشاء، وإنما كانت جزءاً من الدولة العثمانية، وهي وحدها صاحبة الحق في ذلك، كما أن "وعد بلفور" صدر من جانب واحد - وهو بريطانيا ولم تشترك فيه الحكومة العثمانية ويتعارض الوعد مع البيان الرسمي الذي أعلنته "بريطانيا" في عام 1918م، أي بعد صدور "وعد بلفور" والذي نص على أن حكم هذه البلاد يجب أن يتم حسب مشيئة ورغبة سكانها، كما يتعارض مع مبدأ تحقيق المصير.