شهد الإعلام المصرى خلال السنوات الأخيرة موجة من البرامج ساهمت إلى حد بعيد فى تأجيج المشاعر وإثارة الفتن سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، لكن فى النهاية اتضح أن هذه البرامج لم تكن تعمل من أجل النهوض بمصر الجديدة. لذلك جاءت مطالب كثيرة بعد حادث استشهاد جنودنا الأخير فى سيناء بضرورة تغيير الخطاب الإعلامى فى كل القنوات، ومؤخراً قرر بعض القائمين علي القنوات الفضائية أن يلتحمواً سريعاً مع هذه المطالب. سألنا بعض الإعلاميين والخبراء: كيف تعالج البرامج مشاكلنا خلال الفترة القادمة.. وما الخطاب الأفضل الذى يمكن أن يطرحه مقدمو البرامج؟.. خاصة أن أداء المذيعين بدا وكأنه صراع علي الإثارة عبر الشاشة، وأصبح اختيار الضيوف قائماً على المصالح الشخصية أكثر من الحرص علي مصلحه الوطن. آمال فهمى: مصر هدف الإعلام الأول قدمت الإذاعية آمال فهمى روشتة من كلمة واحدة يجب أن يراعيها الإعلاميون فى الفترة القادمة وهى «مصر» بأن يضع كل إعلامى مصلحة مصر كهدف أول أمامه، ولابد أن نلتف جميعاً حول القرارات التنموية الجديدة وعلينا أن نؤهل المجتمع لمرحلة التطبيق لأن التنمية هى الهدف الأساسى. وقالت آمال: علينا أن نشغل الناس بالتنمية والمشروعات القومية الجديدة وننصرف عن الخبطات والضربات المؤلمة التى تأتينا من أعداء مصر، لذا الإعلام فى حاجة إلى حسم وتكاتف على أن نكون جميعاً صفاً واحداً خلف القيادة السياسية. وأشارت «فهمى» إلي أن أداء الإعلاميين فى الآونة الأخيرة أظهر أنهم جميعاً متفانون فى عملهم لكنهم يحتاجون لمنهج واضح فى تعاملاتهم بعيداً عن أهوائهم الشخصية، ولابد أن نترفع فى الأسلوب الإعلامى ولا نهبط بلغه الإعلام إلى الحضيض بل نأخذ بيد الناس للرقى، لذا وجب اجتماع الإعلاميين على قلب رجل واحد فى تنفيذ أحكام صادمة على كل من أساء لمصر بأسلوب محترم دون إسفاف. وطالبت «فهمى» بضرورة البحث عن ضيوف جدد، لأن الموجودين الآن وجوه متكررة ومملة وضرورة البحث أيضاً عن مقدمى برامج جدد ذوي فكر يتناسب مع المرحلة التنموية التى نعيش فيها فهم يعيشون على لغة الإعلام التى كانت موجودة منذ عام وكانت كلها مهاترات لا تصلح للمرحلة التى نجتازها الآن، فنحن لا نحتاج لجهاز إعلامى يحدد ماذا يقول الإعلاميون لأن كل مواطن من حقه أن يعبر عن فكره طالما هذا الفكر فى مصلحة بلدنا ولكن بشرط الابتعاد عن الغربان والبوم الذى ينعق ويبث السموم فى قلب المصريين. بطيشة: مقدمو التوك شو يعانون أمية ثقافية قال الإذاعى الكبير عمر بطيشة: إن الخروج من المأزق وحل أزمة الإعلاميين لابد أن يأتى بمواصفات جديدة للخطاب الإعلامى فى الفترة القادمة أهمها أن يراعى الإعلاميون عدم تصنيف المصريين وعدم تقسيم الشعب حسباً لأهوائهم الشخصية، وأن يتمتع خطابهم بالشفافية والموضوعية وعدم المبالغة سواء فى المدح أو النقد، والامتناع عن المهاترات المتبادلة بين الإعلاميين والارتفاع بلغة الخطاب الإعلامى والارتقاء بأسلوب مخاطبة الجماهير وعدم الانزلاق إلى الشتائم والبذاءات مثلما كان يحدث فى الإعلام المصرى فى بعض فتراته السابقة، بالإضافة إلى استقلالية الإعلام عن النظام وتعبيره المطلق عن الشعب لا عن النظام ولا الحكومة ولا رجال الأعمال الذين يلونون قنواتهم الفضائية بتوجهاتهم السياسية. وأشار «بطيشة» إلي أن أداء المذيعين فيه ضعف مهنى فادح سواء لغوياً أو تعليمياً أو ثقافياً، فمقدمو برامج التوك شو فى حاجة أن يدخلوا مرحلة التعليم الأساسى الابتدائى والاعدادى من جديد، بالإضافة لضعفهم اللغوى فى الفصحى واللغات الأجنبية، بالإضافة إلى الأمية الثقافية فهم جميعاً مثقفو عناوين يدعون المعرفة لكن لو تعمقنا معه تظهر تدنى ثقافته، بالإضافة إلي أن مهارتهم الأولى هى التطاول والقدرة على التجريح كأنها ميزة مطلوبة فى المرحلة الحالية، لذلك عندما كنت رئيساً للجنة المهنية فى مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون طالبت بتدريس الإعلام كمنهج دراسى فى مدارس التعليم الأساسى منذ المرحلة الاعدادية لتحصين المواطن المصري ضد مساوئ الإعلام المضللة والإعلاميين عديمى الثقافة ليستطيع الجمهور فرز الرسائل الإعلامية الموجهة إليه ويحدد الخبيث من الطيب. وأبدى «بطيشة» استياءه من اختيار معدين البرامج للضيوف.. وقال للأسف دائرة الضيوف فى البرامج تعدادها 50 ضيفاً ولا توجد محاولة لكسرها رغم أن مصر مليئة فى كل المجالات والراسخين فى العلم يتم تجاهلهم للأسف يستسهلون فى الاختيار والنتيجة ضعف فى المعلومات المقدمة. وقال «بطيشة»: يجرى الآن إنشاء المجلس الوطنى للإعلام، والأمل معقود عليه أن يقوم بمهمة الإصلاح، ولابد أن يحقق الاستقلالية كإعلاميين عن ملاك القنوات والنظام الحكومى، ونتمنى ألا يكون امتداداً لوزارة الإعلام وتكون مجرد تغيير مسميات. أبوزيد: نفوذ نجوم الفضائيات أكبر من أصحاب القنوات أكد الخبير الإعلامى فاروق أبوزيد، أن الخطاب الإعلامى فى الفترة القادمة لابد أن يعتمد على تقديم معلومات صحيحة ودقيقة، فلا يهول ولا يهون حتى يقدم الحقائق للناس ونشكل رأياً عاماً متنوراً ونأخذ قراراتنا على ضوء المعلومات، ويجب أن يكون لدينا حد أدنى من حرية تداول الإعلام ومازالت هناك قيود مرتبطة بالأمن القومى والوطنى وهى موجودة فى دول كثيرة من اتساع مساحة العلاقة بين المسئول والإعلام لتوافر قدر من المعلومات ولابد أن يزداد هذا القدر بحيث نحصل على المعلومات بدون مشقة، بشرط أن تزداد نسبة الديمقراطية فمن يمنع المعلومة يحاسب ومن يعطى معلومة خاطئة أيضاً يحاسب حتى نتخلص من هذه الفوضى الإعلامية. وأضاف أن تفسير وتحليل وتقييم هذه المعلومات لابد أن يتسم بقدر من الموضوعية ولا يتحقق إلا إذا كانت مساحة الديمقراطية تسمح بالرأى والرأى الآخر بمعنى تحليل المعلومة دون اللجوء إلى الاتهامات والشتائم ليعطى إمكانية للمواطن أن يرى أكبر من وجهة نظره والمواطن من حقه أن يعرف ما يريد وإذا أراد مقدم البرنامج أن يقول رأيه فليلجأ لمقالات الرأى، فالمفترض من مقدم البرامج أن يعرض الموضوع دون أن يقول رأيه، ثم يتيح للأفراد التعبير عن نفسهم وفى النهاية يلخص للقارئ لكن ما حدث فى مصر كارثة تاريخية أن المذيعين تحولوا إلى كتاب مقالات ورأى وخلطوا بين وظيفتهم ووظيفة الضيف وهذا غير موجود فى أى بلد فى العالم، لابد أن نمنع الآفة، ويبدو أن نفوذ نجوم الفضائيات أكبر من أصحاب الفضائيات، ولذا نؤيد إنشاء نقابة للإذاعيين والتليفزيونيين تحاسب المتجاوز منهم. صفوت العالم: الإعلام يحتاج لتحول سياسى اعتبر صفوت العالم، أستاذ الإعلام والصحافة، أن الإعلام فى مصر يعانى مرحلة تحول وغياب واضح للرؤي المحددة للإعلام، وذلك يجعل الجمهور يتوه ويختلط عليه الفهم، فالانقسام الذى يحدث فى المجتمع واضح بسبب غياب الرؤية، وبسبب أحكام وقرارات وسياسات وتصريحات غير واضحة تجعل الإعلاميين أنفسهم غير متفهمين لما يحدث فى المجتمع المصرى. ولابد فى الفترة القادمة أن يكون هناك تحول إعلامى يساند التحول السياسى الموجود فى مصر الآن، وأن تكون هناك أشكال برامجية جديدة ومختلفة تجتذب جماهير جديدة تحافظ على الجمهور الحالى لا أن يصبح الوضع فى البرامج كما هو، فالجمهور لم يعد يتحمل التوك شو و«زهق» من الإعلاميين، فالإعلام يغطى الأحداث اليومية دون رؤية واضحة، ولذا الأحداث هنا هى التى توجه الإعلام، ولابد أن يعترف الإعلاميون أن هناك أخطاء فى الممارسة، فيجب التدرب على تلافى تلك الأخطاء ووضع قواعد لمن يعمل بالعمل الإعلامى، فمثلاً، لا يصح انتقال أي لاعب كرة من الملعب للشاشة مباشرة، على الأقل يظل 6 أشهر يتعلم ويتدرب على العمل الإعلامى، فالكلمة على الشاشة لها وزن، وللأسف برامج التوك شو تتعامل مع الأخبار بعوامل الحذف والإضافة، وهناك عملية تجاهل لعدة أحداث مهمة وتعظيم لأحداث أخرى تافهة، لذا يجب أن يتدرب الإعلامى على أن هذا خطأ ويشعر أن الحرية مسئولة وهناك من يحرص على ضبط أدائه ومصلحة الرأى العام، فالحرية التى اكتسبها الإعلامى ليست فى مصلحته ولكن فى مصلحة الرأى العام.