برز في الآونة الخيرة بقوة مصطلح أطفال الشوارع ليعبر عن كل طفل مجهول الهوية أو النسب، ورغم أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا لنزوات بشرية أو تشردوا جراء فقدان العائل، يستقبلهم المجتمع بأسوأ أوجه الاستغلال، تارة محقراً لهم معتديًا عليهم اعتداء نفسيا، وتارة منتهكاً لبراءتهم باغتصابهم جنسياً، وتارة بالزج بهم في عالم الجريمة في تجارة المخدرات أو السرقة أو أعمال البلطجة. ويتفاقم الوضع المزري جراء الفقر في البرامج التربوية من قبل الدولة، وهشاشة منظومة دور الأيتام وضعف الرقابة، لتكون المحصلة في النهاية هي جلد جل هؤلاء الضحايا إعلاميا من خلال تسليط الضوء علي الشواذ منهم، في حين أنه يتم عن عمد أو سهو تجاهل تقويم فئات أكثرة ضراوة في فتكها بالمجتمع. فعلي سبيل المثال لم يتم التصدي لتدهور التعليم بالقدر الكافي، وخاصة مافيا الدروس الخصوصية التي يمكن أن يطلق عليهم مدرسي الشوارع، وهؤلاء تمكنوا ببراعة من غرس قيم الانتهازية في أجيال من التلاميذ سوف تدمر الأخضر واليابس لاحقا، علاوة علي فئة من أساتذة الجامعات طمست ما بقي من نور وقيم بالمحافل العلمية؛ من خلال بيع الدرجات العلمية أو تزوير بعضها أو استغلال الباحثين في جمع بيانات وعمل أبحاث لا صلة لها بالدراسة ليستخدموها فيما بعد في عمل كتب ومؤلفات ممسوخة. المحصلة هي ظهور شرائح هائلة قادرة علي هدم الدولة لتختفي دولة القانون لصالح دولة الشوارع، وقد يصبح لاحقا بعض الممسوخين فوق أهرام السلطة، وقد برهن التاريخ أن انهيار منظومة القيم هو أخطر ما يفتك بالبشر. وقد تخطي الأمر حدود الدول ليدار العالم بأسره وفق منظومة الشوارع وبمفهوم الغابة البدائية، وهذا يعزز ثقافة البطش؛ ليكون البقاء للأقوى علي حساب القانون والعدل ووأد المشاعر الإنسانية تحت أحذية الجريمة. الغريب أن كل هذا يتم دون أن تنبس الشفاة ببنت كلمة تجاه تجار الشعوب، بل إن بعض أنصاف المثقفين يطالبون بقتل الضحايا المقهورين من أطفال الشوارع، عندئذ لا تتعجب لأنك واقع بالفعل تحت قصف وسيطرة عقول الشوارع، علي اعتبار أن كل ما ينسب للشارع هو فكر لقيط.