أيمن الذى يقول إن عمره «يمكن 14» فليس لديه أى أمل من هذا النوع ولا يعرف إلى اين ستذهب به الحياة أبعد من موقف الميكروباص فى ميدان احمد حلمى المكتظ بشبرا حيث يقوم بالعمل «تباع.. يعنى أنادى على الركاب وعلى السكة» مع سائق ميكروباص. فى آخر أيام شهر ديسمبر لا يحتمى أيمن من لسعة البرد سوى بقميص ممزق وسروال مستهلك وكنزة صوفية متآكلة. يلتهم طبقا من الكشرى بنهم ويقول «أنا ما عنديش حد.. ما أعرفش حد».. بلغة أخرى فإن أيمن هو احد ممن يوصفون فى تقارير التنمية المصرية بأطفال الشوارع. أيمن يقول إنه نشأ فى الشارع.. وأنه لا يعرف له أهلا سوى بعض أطفال الشارع الذين نشأت معهم فى نفس الظروف. ويعتبر أيمن نفسه محظوظا لأنه وجد عملا كتباع «أنا بانام فى الميكروباص بالليل.. يعنى خلاص مش بنام على الرصيف وبادفى تحت كنبة وباكل من نفس محل الكشرى اللى بياكل منه أبو أشرف (سائق الميكروباص)». تقول نيفين القباج من اليونسيف بالقاهرة إن التقارير الرسمية التى تقدمها الحكومة المصرية تفيد بأن عدد أطفال الشوارع يتراوح بين 17 و20 ألفا.. «وسواء كانوا أكثر أو أقل فإن هناك مشكلة حقيقية يجب الالتفات إليها وهى أن أسباب وجود هؤلاء الاطفال فى الشارع مازالت قائمة». القباج تقدر أن أسباب وجود هؤلاء الآلاف من الأطفال فى شوارع المدن الكبرى بالأساس يرتبط بما تصفه ب«تداعى الهياكل المجتمعية فى المجمل».. الهيكل الأسرى حسب القباج متداعى لأن «القيم المتعلقة بالترابط الأسرى تتراجع أمام التحديات الاقتصادية التى تضغط على الأسرة أكثر وأكثر». وتضيف أنه فى أحيان كثيرة ترفض الأسر عودة أبنائها الذين ذهبوا للشارع خشية أن يعودوا بما اكتسبوه من عادات سيئة، تشمل تعاطى المخدرات وأحيانا ممارسة زنى المحارم إلى البيوت المكتظة بصورة قاسية. «ويبقى الأطفال فى الشوارع عرضة للاغتصاب والقتل لأسباب تتعلق بتجارة الاعضاء والخطف لأسباب تتعلق بالإتجار فى البشر أو فى أحسن الأحوال العمالة المنتهكة لأبسط حقوقهم» تحذر القباج. والحال ليس أفضل، كما تضيف ممثلة اليونسيف، بالنسبة «للمؤسسات الاجتماعية المعنية بتقديم الرعاية للأطفال اللقطاء والأيتام» لأن هذه المؤسسات «أصبحت بصورة ما طاردة» بسبب سوء الخدمات وأحيانا انحرافات وعنف القائمين عليها «وفى كل الأحوال فإن هؤلاء الاطفال عليهم مغادرة هذه المؤسسات عند بلوغهم الثامنة عشرة» وفى الأرجح فإنهم يغادرون إلى الشارع فى كل الأحوال. القباج تلوم فى ذلك تراجع دور مؤسسات المجتمع المدنى أيضا فى الاعتناء بقضايا الطفل اتساقا مع أولويات الطفل فى مصر. العديد من مؤسسات المجتمع المدنى، كما تقدر القباج، أصبحت تحدد أجندتها ارتباطا بدور الجهات المانحة وليس بالضرورة ارتباطا بالواقع. «هذا هو الحال إذن هناك نصوص قانونية جيدة وأموال تنفق وجهود تبذل ولكن الأمر لا يتم بالصورة المتناسقة، أو لنقل المتناسقة بما يكفى، للتعامل مع الجوانب المختلفة لمشكلات الطفل،» تحذر القباج التى ترى أنه فى المحصلة نهائية فإن هناك نوع من انتهاك متواصل لحقوق الأطفال الذين يمثلون 40 بالمائة من إجمالى سكان المجتمع المصرى حسب آخر تعداد سكانى.