أشعر بالدهشة وعدم الفهم، أشعر بالحسرة وعدم التصديق، أشعر بالحزن والهم يسكنني وأحاول ان أقاومه، كلما زادت الانتصارات والمهرجانات والافتتاحات، والبروتوكولات والافراح والليالي الملاح في الثقافة والإعلام. أصرخ، أين انت يا زرقاء اليمامة؟ أين انت حتي تبصريهم بالآتي المرعب؟ أين انتِ حتي يعمل المثقفون عملا جادا لتنزاح أكبر غمة تجتاح مصر في العصر الحديث؟ حينما انهزمنا في عام 1967 كان عدونا معروفاً غريباً عنا وليس منا، أما العدو الآن فهو جزء منا؟ في داخلنا؟ يتربص بنا من كل الجهات، من الداخل والخارج، ولن ننجح بالزيطة والزمبليطة ولا بالأمن. في هبة الشعب المصري 30/6 كله نجح الشعب والجيش في ازاحة الإخوان عن الحكم، ولكننا لم ننتصر بعد. فكفاكم رقصاً وطبلاً واحتفالات فخيرة شباب الوطن يتساقطون صرعي الإرهاب، انه عدو مصر الذي يحتاج الي التصدي بعمل جاد ومستمر وطويل الأمد، ليس من الأمن أو الجيش فقط؟ بل هو يحتاج إلي محاربة أفكاره التي تعيش تحت جلود بعض من شبابنا. ونحتاج الرؤي الواضحة من مثقفي مصر، ونخبتها للخروج من هذا المأزق، والبداية تكون بالتعليم ان المجتمع مؤهل لإصلاح التعليم فالكل يشكو والكل يعلم مواطن العوار، وهي ليست مسئولية وزارة التعليم أو المدرسين، ان التعليم قضية مجتمعية وعلي المثقفين المصريين ان يعملوا عملاً جاداً وتأسيسياً للخروج من جب المناهج المتخلفة التي لا تواكب العصر، ولذلك كان يجب ان يكون من أهم مهام المجلس الأعلي للثقافة ان تعكف كل اللجان علي دراسة وتنقية المناهج من كل المواد والأفكار التي تكرس وتجذر ثقافة الجهل وثقافة الاستقصاء والاستعلاء علي الآخر وعدم قبوله بل واحتقاره وتكفيره، إن كل الحركات الإرهابية والقتل والتدمير هي نتاج هذه الأفكار التدميرية، وكان يجب ان تعمل النخبة الثقافية بدأب وشجاعة علي التصدي لخطاب الإخوان وداعش وكل هذه الجماعات بخطاب إسلامي ديني يؤطر ويعمق لكل ما هو صحيح في ديننا الحنيف، وفي نفس الوقت يتصدي لكل الخزعبلات التي ترتدي ثوب الدين لتنفيذ أهداف دنيوية استعمارية. وخيالات مستحيلة، لا تعترف بالتاريخ ولا الجغرافيا. إن المرحلة التي نعيش فيها تحتاج للتصدي من (المجلس الأعلي للثقافة) حتي لا يكون مجرد مانح للجوائز او إقامة بعض الندوات؟ ونحتاج إلي الثقافة الجماهيرية والتي لا أخفي انحيازي وإيماني بدورها المهم والمطلوب بشدة خاصة بعد تضحيات شباب مصر في ثورة 25 يناير، ولقد كتبت أكثر من مرة عن دورها الكبير الذي يجب ان تقوم بها ومعها كل أجهزة وزارة الثقافة، وكل دعم الوزارة المادي والأدبي، فلا يصح أن يعتبرها البعض مجرد جهاز من ضمن أجهزة الوزارة، لانها تعمل مع اهل مصر بعيدا عن القاهرة، الصعيد والأقاليم المهمشة ثقافيا وفنيا؟ إنها تعمل من أجل ناس مصر. قضيت الأسبوع الماضي أوقاتا طيبة في تونس للاشتراك في (ملتقي الدمي في الفضاء التربوي) الذي اقامته الهيئة العربية للمسرح أحد أهم انجازات الشيخ المثقف سلطان القاسمي، عن الملتقي و تجربة الشارقة في دعم المسرح العربي، وعن الشعب التونسي المتعلم واستعداده للانتخابات، وعن المسرح التونسي وشبابه المتحمس. وعن تكريم أيقونة مسرح العرائس المصري الفنان الكبير ناجي شاكر. ولكن للاسف لم استطع البقاء، لقد أعادني حادث سيناء المجرم لواقع مصر الأليم، وهل في القلب والعقل أهم من الوطن؟