يبدو أن سقف توقعاتنا في "استفاقة" عربية قادمة، لإدراك حجم الخطر، وأخذ زمام المبادرة، وعدم الوقوف "متفرجين" على ما يحدث من حولنا؛ لم يكن في محله؛ لأننا لم ندرك بعد، التحديات التي تحيط بنا من كل اتجاه. "إيران قادمة".. حقيقة يحاول كثيرون عدم تصديقها، أو بالأحرى لا يرغبون في اكتشاف دلائلها الواضحة، لأن طهران تستفيد من ضعف كل المحيطين بها، لتنفيذ مخططاتها، ولا تمل من تكرار محاولاتها؛ مهما استغرق الأمر من وقت؛ وبكافة الوسائل المتاحة. العرب خلال العقود الثلاثة الماضية كان يتملكهم هاجس "تصدير الثورة"، أما وقد تحققت في عدة بلدان، سواء أثبتت نجاحها أم تترنح في جانب منها، إلا أنها لامست واقعنا الذي نعيشه، وآن الأوان لكي نستيقظ من سبات طال أمده، وأن نحاول مجددًا قراءة الواقع واستشراف المستقبل. بعد عقود من العزلة الدولية والإقليمية، نجحت طهران في تثبيت أركان دولتها وتنفيذ جزء كبير من مخطط توسع امبراطوريتها في محيطها العربي، ونجحت إلى حد بعيد في تحقيق ما تتمناه بهدف امتلاك مفاتيح بوابات العالم. لقد استطاعت إيران مد نفوذها في أربع دول عربية،؛ تداعت؛ إبان ما يسمى ب"الخريف العربي"، فأحكمت قبضتها على عدة عواصم، بعد أن تهاوى الدور التركي، ولم تجد من يحد من أحلامها التوسعية الممتدة. طهران لا تأل جهدًا في إطلاق بالونات اختبار لإرادة المجتمع الدولي ومحيطها الإقليمي، لعل آخرها محاولة السيطرة على "مضيق باب المندب" عن طريق الحوثيين، الذين استولوا على معظم سلطات الدولة اليمنية. التحركات الإيرانية الأخيرة، تضع نصب أعينها وضع موطىء قدم على البحر الأحمر، من خلال بوابة اليمن الجنوبية، عبر السيطرة على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية المهمة، لتصدير النفط الخليجي إلى العالم. ولا يخفى على أحد أن طهران تمتلك مضيق هرمز الحيوي، الذي قال عنه ريموند أوشي المحلل الاستراتيجي البريطاني: "إذا كان العالم خاتمًا فإن مضيق هرمز لؤلؤته"، نظرًا لكونه شريان الطاقة في العالم، والذي يمر عبره خُمس إنتاج النفط العالمي. ولذلك فإن طهران تعلم أنها بحكم سيطرتها على مضيق هرمز، تستطيع أن تُوقع العالم كله في أزمة طاقة رهيبة، تكفي لتعطيل كل أوجه الحياة، ولكي تستكمل رسم ملامح إمبراطوريتها، فهي تعمل بشكل متواصل للسيطرة والتحكم في مضيق باب المندب، الذي يعد واحدًا من أهم الممرات المائية الدولية. إننا نعتقد أن إيران تتمدد بالفعل على الأرض، بفضل "الحالة العربية الرخوة"، ولا يفصلها عن تحقيق غاياتها سوى عامل الوقت الذي يصب في مصلحتها، لتبسط نفوذًا إقليميًا كبيرًا، تستطيع من خلاله إحكام قبضتها على منطقة الخليج، أو على الأقل التوصل إلى تفاهمات مع الغرب بشأن برنامجها النووي. العالم العربي الآن يمر بأضعف لحظاته التاريخية، فبعد سنوات من الشعارات الزائفة والتأجيج الطائفي والمذهبي، يجد نفسه "عديم الحيلة"، وإذا استمر الوضع على هذا النحو، ربما نجده مستقبلًا خارج نطاق الجغرافيا والتاريخ.