وقد يتساءل البعض، وهل العروسة تستطيع أن تربي؟.. وتوجه؟.. أو تعلم؟.. إنها مجرد لعبة تطورت من عروسة تصنعها الأمهات بالقطن والأقمشة أو يصنعها الفنان القديم من جلود الحيوانات، أو عروسة تصنعها الجدات من الورق لتشكشكها وتخرمها من عين الحسود؟.. إنها أسئلة مشروعة، ولكن الحقيقة أن للعروسة دوراً منذ فجر التاريخ، ولكنها تطورت ووصلت إلي آفاق كبيرة، بل وأصبحت تلعب أدواراً سياسية، فالعروسة باربي الأمريكية التي أصبحت تغزو العالم، بعكس النمط الأمريكاني الذي يصدره الأمريكان للأطفال والكبار.. وقد ردت إيران الإسلامية فأطلقت عروسة محجبة لتعميق وانتشار النمط الإسلامي الذي تريد طهران أن يسود العالم. وفي هذا الشهر تعقد الهيئة العربية للمسرح في تونس من 20 إلي 25 الملتقي الثاني لفنون الدمي، وهو يناقش دور العروسة التربوي والتعليمي مع الأطفال في المدارس والتجمعات الثقافية، وهل العروسة مجرد لعبة أو وسيلة ترفيهية أم تستطيع أن تلعب أدواراً في حياة الأطفال؟ والحقيقة أن مسرح العرائس أو «الدمي» يستطيع القيام بكل الأدوار، فمن خلال تجربتي الشخصية أستطيع أن أقرر أنها من أمثل وأنسب الوسائل في مجتمعنا التي يستطيع الفنان من خلالها تحميل المفاهيم والقيم الأساسية للتربية، وكذلك تقديم المفاهيم الإنسانية الحديثة وحقوق الطفل من خلالها مثل قبول الآخر وحق الاختلاف في اللون أو العرق أو الدين، ومعني الوطن، ومعني الدستور، وما هو الدستور؟.. والديمقراطية، وكيف لا تكون سياسية فقط، بل يجب أن تكون في كل نواحي الحياة، في المنزل، في المدرسة، في النادي، في قصر الثقافة، وكذلك ثقافة المشاركة وهي النواة الأولي للمجتمع المدني. إن كل شيء قابل للتقديم والعرض علي مسرح العرائس للأطفال شريطة أن تكون فناً جميلاً نقدم من خلاله المعلومة والنصيحة في بساطة وجاذبية ومتعة للاطفال، فلا يجب أن تتحول العروسة إلي معلمة في الفصل وتحول المسرحية إلي حصة تعليمية، إن الفن بدون ترفيه ومتعة ودهشة حقيقية يفقد معناه ولا يصبح فناً. إن الهيئة العربية للمسرح التي أنشأها الشيخ المثقف سلطان القاسمي تكاد تكون المؤسسة أو المكان الوحيد في العالم العربي الذي يحتفي بكل فنون المسرح العربي للكبار والصغار، طوال العام وبشكل جاد. والحقيقة أن إمارة الشارقة، وانحياز شيخها المثقف سلطان القاسمي، تدهشني فهي تكاد تكون البلد العربي الوحيد الذي يقيم فعاليات مسرحية طوال العام، وهو بلا شك يعطي لفن المسرح العربي قبلة الحياة، ذلك الفن الذي يصارع من أجل البقاء في أغلب البلدان العربية الأكبر والأعرق مسرحياً، ففي العام الماضي كرم كتاب مصر المسرحيين الكبار، وفي كل عام يقيم مسابقة الكتابة المسرحية للكبار والصغار، وأيضاً خصص جائزة لأحسن عرض مسرحي علي مستوي العالم العربي، وطوال العام تقام فعاليات مسرحية مختلفة ومهمة وجادة في مسرح الكبار والأطفال وتجمع كل الفنانين العاملين في الفن المسرحي، فهي بحق نستطيع أن نطلق عليها عاصمة المسرح العربي وشيخها المثقف الكبير الراعي الأول للمسرح في العالم العربي. في تونس سيقام الملتقي الشارقي بالاشتراك مع المعهد العالي للفنون المسرحية والمركز الوطني لفن العرائس. مع تمنياتنا بدورة ناجحة، فما أحوج فناني مسرح الأطفال والتربويين للتلاقي، وعرض الخبرات من أجل مستقبل أفضل لأطفالنا، فالفن هو الوسيلة الأسرع والأنجح لتطور المجتمعات ورقيها.