العيد فرحة.. والعيدية أهم طقوسه، كان ولايزال ينتظرها الصغار بشغف ويسترجع معها الكبار ذكريات الماضي.. فرحة الكبير الذي يمنح والصغير الذي يأخذ.. وهي عادة قديمة اتخذها الآباء والأجداد لتضفي علي العيد لونا جماليا كبيرا يحمل معه الفرحة والبسمة علي شفاة الأطفال، فهل العيدية لا تزال تتربع علي عرش العيد أم أن صعوبة المعيشة الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات جعلتها تترنح من علي العرش وجعلت أولويات واهتمام الأسر تتجه لغيرها خاصة أن الأطفال أنفسهم أعلنوا العصيان فمن كان يفرح ب5 جنيهات وفيما مضي ب5 قروش يرفض حاليا ال50 و100 وال200 جنيه، وأصبحنا نتمني العودة للوراء لنقول للزمان ارجع يا زمان.. وحول العيدية وأصلها وتأثرها بالمتغيرات المعيشية والاقتصادية كانت السطور التالية؟! أصل وشكل والعيدية كلمة عربية منسوبة الي العيد تعني العطاء أو العطف وتعود الي عصر المماليك، حيث كان السلطان المملوكي يصرف راتبا بمناسبة العيد للأتباع من الجنود والأمراء ومن يعملون معه وكان اسمها «الجامكية» وكانت قيمة العيدية حسب الراتب فتقدم علي شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية وآخرون تقدم لهم دنانير من الفضة وإلي جانب الاثنين كانت تقدم المأكولات الفاخرة. وفي أول أيام العيد كان الوزير الفاطمي كما قرأنا يسير يوم العيد من منزله وبصحبته كبار رجال الدولة في ملابسهم الجديدة الي باب القصر ويظهر الخليفة أيضا في موكب مهيب مرتديا ملابس العيد البيضاء الموشاة بالفضة والذهاب. وفي العصر العثماني أخذت العيدية أشكالا أخري، فتقدم نقودا وهدايا للأطفال واستمر هذا التقليد الي العصر الحديث، ومع اختلاف الأزمنة والعهود اختلف أيضا شكل العيدية من بلد لآخر فلاتزال في مصر يصطحب الآباء الأبناء صباح يوم العيد للصلاة وبعدها يأخذون العيدية في شكل مبلغ من المال للصغير منهم والكبير وتتفاوت القيمة حسب أعمارهم بينما في سوريا يعطيها الآباء والأمهات والأقارب للأطفال أثناء زيارات بيوتهم لبعض في أيام العيد وتسمي العيدية في سوريا باسم «الخرجية» بينما يتم في السعودية تخصيص يومين فقط من أيام العيد للعيدية ويوم للبنين وآخر للبنات ويعرفان بأيام الطلبة حيث يقوم الأطفال بطرق الأبواب والطلب من أصحاب المنازل في البلدة اعطاءهم العيدية، فمنهم من يقدم الحلوي أو حب القريض أو القمح المحموس كل قدر استطاعته بينما نجد الأطفال في الكويت يقومون بالمرور علي البيوت لأخذ العيدية التي كثيرا ما تكون من «القرقيعان» وهو خليط من المكسرات والزبيب بينما يقوم الآباء والأقارب في السودان بإعطاء الأطفال قطعا نقدية معدنية تخصص بالكامل لشراء ما يحبه الأطفال من الألعاب، وفي عمان يتجمع الأطفال والنساء بمكان يسمي «العيود» أو القلة وهي حلقة يتم فيها تبادل التهاني وإعطاء الآباء والأقارب والأطفال العيدية وعندئذ عادة ما يعد أصحاب البيوت كمية من الهدايا المعدة خصيصا للأطفال الذين يأتون اليهم لتهنئتهم وزيارتهم وتتسم العيدية في الكويت بالعدل في العطية والتي هي بمثابة واجب بالنسبة للكويت. الآباء والأمهات يرون في العيدية باب بر الأبناء وتقوية لأواصر الرحمة فيهم شريطة مراعاة العدل بينهم في ذلك وهو واجب ما لم يتطلب غير ذلك من أسباب كبر السن والاحتياج الخاص، وجيل الأبناء من الصغار والشباب يرونها ضرورة وفرض علي الآباء تجاه الأبناء بعدما جعلت ظروف المعيشة الصعبة الأقارب والمعارف غير حريصين علي إعطائها لهم ولذويهم من الأولاد والأبناء أحيانا، كذلك ضرورة وفرضا للفسح والنزهة والاحتياجات الضرورية خلال أيام العيد وبعده علي وجه الخصوص، أما خبراء الاجتماع والاقتصاد فيرونها ضرورة شريطة مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة وتكاليف المعيشة للأسر الفقيرة علي الخصوص خاصة مع تزامن العيدين مع المدارس والجامعات وغيرها من المناسبات والمواسم التي أصبحت أعباء متزايدة ومتفاقمة علي كاهل الأسر المصرية بجميع طوائفها وأوضاعها الاقتصادية والمعيشية. الدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس أكد أن العيدية عادة مصرية تعود الي عصر المماليك وتسمي ب«الجامكية» وكانت تقدم علي شكل أطباق مملوءة بالدنانير الذهبية أو الفضة الي جانب بعض المأكولات وأخذت أشكالا أخري في العصر العثماني هدايا أو نقود وهي إحدي المظاهر المهمة التي مازالت محتفظة بأصالة وجودها منذ القدم حتي الآن ولم تعد العيدية تقتصر في يوم العيد علي النقود فقط بل بهدايا ثمينة معبرة عن المحبة ولو كانت باقة من الزهور للمقربين والأحباب. ويري الدكتور أحمد ضرورة استمرار حرص الآباء علي أن تكون العيدية بنقود جديدة بالضبط كملابس العيد الجديدة حتي تتماشي مع جو العيد المتسم بكل ما هو جديد فالعيدية هي رمز للفرحة التي يتقاسم فيها الكبار والصغار معا فالعيدية وتجددها عاما بعد الآخر تزيد من التراحم والترابط بين الأسر وذويها خاصة مع انشغال الأسر عن الأهل والأقارب بالبحث عن لقمة العيش والتي أصبح الحصول عليها مهمة شاقة خاصة بعد رفع الدعم وتسبب في ارتفاع جميع السلع والخدمات والمرافق والمتنزهات. الدكتور محمد النجار أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الزقازيق يري أن الاهتمام بالعيدية اختلف نظرا لتفاقم الظروف المعيشية والاقتصادية وارتفاع تكاليف جميع البنود اليومية لاحتياجات الأسرة اهتمام تجلي بالعيدية فيما مضي وبالتحديد مع بداية الانفتاح حيث كانت تمكن المتحصل عليها من الحصول علي أشياء غير متاحة من مصروفه الخاص وتحتاج لدعم العيدية من الأسرة الكبيرة والصغيرة ولكن المعضلة اليوم التي تواجه جميع الأسر أنني مثلا كجد ال50 جنيها عيدية حفيدي لا ترضيه ويطلب المزيد. ويؤكد لي أن تلك الخمسين جنيها لم تعد تغني ولا تسمن من جوع، كما أن المصروف الكبير المطلوب للأبناء يوميا يجعلهم لا يعتمدون أو ينتظرون العيدية والتي بدورها هناك الكثير من الأسر ألغتها من قاموسها وأولوياتها ووجهتها للمدارس وللدروس الخصوصية والكتب الدراسية الخارجية. ويشير «النجار» الي أن النقود اللازمة للعيديات لم تعد بدورها موجودة في البنوك ولم يعد سهل حصول المواطنين عليها لأن مسئولي البنوك والمالية أصبحت تصدر النقود سواء المعدنية أو الورقية وفقا لاحتياجات السوق وعلي الأخص ما يتعلق بأسواق التجزئة ومن ثم لا تبالغ في إصدارها خاصة مع تصاعد حدة الركود.