المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة لمجلس النواب    رئيس جامعة كفرالشيخ يلتقي بالطلاب الوافدين ويؤكد الحرص على تقديم بيئة متميزة    قناة السويس تنفي استقبال سفينة تحمل معدات عسكرية وأسلحة بميناء بورسعيد    بالتزامن مع عطلة أعياد الميلاد.. استقرار أسعار الذهب بمنتصف تعاملات الخميس 25 ديسمبر    رانيا المشاط ل «خارجية الشيوخ»: اقتصاد مصر دخل مرحلة تحول حقيقى منذ مارس 2024    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    جيش الاحتلال يعلن استهداف عنصر في فيلق القدس الإيراني    ويتكوف يبلغ الوسطاء وإسرائيل بموعد بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة    إسرائيل بين هواجس الأمن وشبح الاختراق... تجسس مزعوم بطلب إيراني يعيد التوتر إلى الواجهة داخل تل أبيب    هل يمنح اتفاق تبادل الأسرى هدوءاً نسبياً لليمن؟.. ترحيب عربى ودولى.. تبادل 3000 أسير ومختطف برعاية الأمم المتحدة.. توقعات بأن يشمل الإفراج عن قيادات بارزة بحزب الإصلاح.. مجلس الأمن: ندعم السلام فى اليمن    صدارة وفوز.. نيجيريا تحقق أول أهدافها في كأس أمم أفريقيا 2025    مفاجأة مدوية في قضية «منشار الإسماعيلية».. الدفاع يطالب بإحالة والد المتهم للجنايات    إغلاق موقع إلكتروني مُزوّر لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    المنيا تنفرد بتطبيق نظام الباركود للمحاصيل الحقلية    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    فيديو.. سرب مكون من 8 مقاتلات حربية إسرائيلية يحلق فوق جنوب وشرق لبنان    أشرف حكيمي يدعو كيليان مبابي وديمبيلي لحضور مباراة المغرب ضد مالي    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    برلماني: الوطنية للانتخابات وضعت خارطة طريق "العبور الآمن" للدولة المصرية    محافظ الفيوم يعتمد جدول امتحانات النقل لمدارس التعليم الفني    رفع آثار انقلاب سيارة ربع نقل محملة بالموز وإعادة الحركة بالطريق الزراعي في طوخ    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    وزارة الثقافة تنظم "مهرجان الكريسماس بالعربي" على مسارح دار الأوبرا    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"صراع الأجيال" يلقي بظلاله على السياسة الثقافية
نشر في الوفد يوم 29 - 09 - 2014

تجلت ظاهرة "صراع الأجيال" لتلقي بظلالها على الحوار بشأن ورقة العمل المقترحة للسياسة الثقافية لمصر.
وهذه الظاهرة التي قد تحجب للأسف أسئلة وقضايا أكثر أهمية بشأن السياسة الثقافية المقترحة واضحة في كثير من معالجات وآراء منشورة، حيث تعرض الباحث الكبير السيد يسين منذ الاعلان عن تكليفه من جانب المجلس الأعلى للثقافة بإعداد ورقة عمل مقترحة للسياسة الثقافية لكثير من الهجوم، لا لشيء سوى لعامل السن او الفئة العمرية التي ينتمي لها!
وفيما لم يتورع بعض من شنوا هذا الهجوم عن وصف قامة ثقافية في حجم السيد يسين بأنه "رجل الماضي الذي انهكه السن والمرض" ، مبدين استغرابا لتكليفه بوضع خطة للمستقبل الثقافي، فإن هذه الرؤية التسطيحية والقاصرة حتى معرفيا لم تتح لأصحابها فرصة معرفة ان بعض أعظم وأشهر من خططوا للمستقبل بل وأطلقوا أفكارا فجرت ثورات غيرت الانسانية كلها ، كانوا ينتمون لفئات عمرية تجاوزت سن الشباب.
ومن هنا يحق استرجاع تحذير اطلقه الشاعر الكبير احمد عبد المعطي حجازي من اننا "حين نخاصم المعرفة نخاصم الحياة ونصبح مهددين بالانقراض ، أننا لم ننقرض بأجسادنا ولكن انقرضنا بعقولنا وافئدتنا، اي فقدنا انسانيتنا"، موضحا أن "الثقافة هي حياتنا التي نعيشها, كما نكون تكون ثقافتنا وكما تكون نكون".
واذا كان من الصحيح انه لا يجوز ان تتحول وزارة الثقافة الى معبد له كهنة يمسكون بمفاتيحه، فلا يجوز أيضا لأحد ان ينسى في خضم الترويج لصراع الأجيال والتستر وراء شعارات ثورية أن الثورة الشعبية المصرية كانت "ثورة عابرة للأجيال" ولم تكن في موجتيها بأي حال من الأحوال حكرا على جيل بعينه ، ثم أن التزيد والاسراف في قضية صراع الأجيال امر يتنافي مع منطق الديمقراطية والعدالة ، بقدر ما يقترب من العنصرية المقيتة ومنطق الاقصاء الفاشي والذهنية العقابية وان كان بالوسع فهم هذه الظاهرة كرد فعل لحالة انسداد الأفق وتوقف الحراك الطبيعي للأجيال التي عانت منها مصر على مدى عقود في ظل نظام شاخ وثار عليه الشعب وأسقطه في نهاية المطاف بعد ان تسبب في علل شتى من بينها "اصابة المجتمع بحالة اقرب لتصلب الشرايين".
وواقع الحال أن السيد يسين كان مدركا لهذه القضية وهو يعرض لورقة العمل التي اقترحها للسياسة الثقافية لمصر والتي جاء فيها: "من الملاحظات المهمة فيما يتعلق بالتغيرات الكبرى التي حدثت في مصر للمجتمع بعد ثورة 25 يناير ظهور أزمة حادة في مجال القيم".
ومن مظاهر أزمة القيم كما رصدها السيد يسين في ورقته: "نسف التراتبية الاجتماعية، بمعنى عدم الاعتراف بالمديرين والرؤساء وشرعية الانقلاب عليهم ومحاصرتهم في مكاتبهم والدعوة الى فصلهم أو تغييرهم، بعبارة مختصرة عدم الاعتراف بالمكانات الادارية والاجتماعية بزعم ان هذه من أخلاقيات الماضي".
وأضاف: "ومن المظاهر الحادة للأزمة محاولة نفي الأجيال القديمة باعتبار أن أوانها قد انقضى، ولعل شعار تسقط دولة العواجيز يعبر عن هذا الاتجاه خير تعبير"، متابعا "ومعنى ذلك أن النشطاء السياسيين - ربما بغير وعي منهم - يدعون الى صراع مفتوح بين الأجيال بدلا من أن يقيموا حوارا فعالا بين الأجيال تنقل فيه الخبرة بهدوء وسلاسة من الأجيال القديمة الى الأجيال الشابة".
وأزمة القيم كما نظر لها السيد يسين تدعو الى أن يكون "تجديد القيم المصرية هدفا اساسيا من أهداف السياسة الثقافية"، مؤكدا أهمية التركيز على ترسيخ قواعد الحوار الديمقراطي واحترام الاختلاف في ضوء احترام مبدأ التعددية وإعلاء قيمة النقد الذاتي وتجسير الفجوة بين النظر والعمل.
وهذه الأزمة على حد قوله "سبق لعلم الاجتماع العالمي أن درسها واطلق عليها ظاهرة اختلال القيم ، بمعنى عجز افراد المجتمع عن التمييز بين السلوك المشروع والسلوك غير المشروع"، وترجع جذورها في قراءته التحليلية لخريطة المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير من الخلط بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية او بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان.
واقترح السيد يسين على وزارة الثقافة إعادة طبع كتاب الدكتور حسن حنفي وعنوانه "حوار الأجيال"، فقد أشار الى مؤشرات متعددة لأزمة القيم ومن بينها الخلط بين الثورة والفوضى، لافتا الى أن ائتلافات شبابية متعددة تريد أن تواصل المظاهرات في اي وقت احتجاجا على اي وضع لا ترضاه بزعم أن "شرعية الميدان"، ينبغي أن تبقى قائمة الى الأبد مهما كانت الأوضاع الدستورية قد استقرت.
وللانصاف ، فان السيد يسين أبدى اهتماما واضحا بالشباب في ورقته البحثية للسياسة الثقافية التي تقوم على اساس "التنمية الثقافية القاعدية"، كما أن الرجل طرح ورقته للنقاش وتوقع أن تكون الملاحظات النقدية التي ستوجه لها "أساسية في إعادة صياغتها لتكون أساسا للمناقشة في المجلس الأعلى للثقافة".
ويبدو انه يرد بصورة ضمنية على انتقادات كانت قد وجهت له بشأن مواقفه في سياق ثورة يناير عندما قال في هذه الورقة البحثية "الكاتب المنهجي وهو يخوض في غمار العواصف السياسية والاجتماعية والسلوكية التي أحدثتها ثورة 25 يناير يحاول أن يستخدم في استراتيجية الكتابة تكتيكات مختلفة كالتقدم والتراجع والدفاع عن موقف محدد ثم العدول عنه، او تبني رأي ما وتغييره في فترة قصيرة لأنه ثبت من خلال الممارسة خطؤه".
و"بالتالي الحكم على الكاتب انه متناقض نتيجة قراءة سطحية غير متتبعة لمقالاته في مجموعها يعد إدانة لا محل لها وليست لها اي قيمة معرفية"، حسبما خلص السيد يسين.
وقد يلاحظ من يراقب المشهد الثقافي أن الأصوات الغاضبة في اغلب الأحيان تغفل قضايا هامة وينبغي مناقشتها بكل الجدية، مثل دور وزارة الثقافة في "تأسيس البنية التحتية للثقافة في مصر والنهوض بمهمة الصناعات الثقافية الثقيلة التي يتهرب منها رأس المال الخاص أو لا يقدر على تبعاتها".
واذا كان هناك من يؤجج قضية صراع الأجيال ويسعى إلى تحويلها إلى "صراع مفتوح"، فمن الغريب أن ينهمك البعض في صراعات مستمرة لا تخلو من طابع عدمي ورفض دائم لأي مبادرات ثقافية ، فيما الواقع يدق أجراس الخطر مفصحا عن ظواهر خطيرة تغذي "صناعة الجهل" بانعكاساتها المدمرة على الشباب، مثل ظاهرة استفحال "ثقافة العفاريت"!
وهي ظاهرة تحدث عنها في صحيفة "الأهرام" الشاعر والكاتب فاروق جويدة، مشيرا لاتجاه القنوات التلفزيونية الفضائية لاختراع برامج جديدة عن العفاريت والجان، واعتبر أن مثل هذه الظاهرة تمثل منحدرا خطيرا في حياة المصريين و"جريمة في حق مجتمع يريد أن يلحق بالعصر ويعيش زمانه".
ورأى جويدة أن "إفلاس الفضائيات في الفكر والثقافة والسياسة لا ينبغي أن يحملها الى أبواب العفاريت لتكون حلا او طريقا للنجومية الكاذبة" ، محذرا من أن هذه الظاهرة تفتح الباب للدجالين والمشعوذين الذين يتاجرون بأمراض الناس وظروفهم المعيشية والانسانية الصعبة.
ولا جدال أن هذه الظروف المعيشية والانسانية الصعبة تنسحب على كثير من الشباب وتؤثر في نظرتهم للحياة وعلاقتهم بأجيال اكبر، ومن ثم فإن تحسين هذه الظروف قد يؤدي لامتصاص كثير من الاحتقانات التي تغذي صراع الأجيال.
ومن نافلة القول أن اي مبادرة للحوار مع الشباب خليقة بالاشادة شريطة أن تكون تلك المبادرات بريئة من النمطية والوصاية والمظهرية وان تسعى لدعم مقومات الوطنية المصرية وثوابتها وتلتفت لمغزى ما قاله المحلل والكاتب الدكتور اسامة الغزالي حرب من أن "قضية مصر الأساسية اليوم هي الثقافة".
وها هو مثقف مصري كبير مثل فاروق جويدة يقول إن "السياسة أفسدت اشياء كثيرة في حياتنا.. لقد أفسدت المناخ الثقافي ولغة الحوار"، معربا عن اسفه الشديد "لتراجع مقومات الوطنية المصرية أمام شعارات سياسية براقة وخادعة في معظم الأحيان".
ولعل اي محب لهذا الوطن لا يختلف مع ما قاله الشاعر والكاتب فاروق جويدة حول ضرورة إعطاء الشباب أهمية خاصة لأنه صاحب المستقبل ، وتأكيده في طرح بجريدة "الأهرام" على ضرورة أن "يحمل الشباب الراية لأنه الطرف الوحيد في هذا المجتمع القادر على استيعاب روح العصر".
لكن تمكين الشباب كأغلبية عددية وأصحاب حق في المستقبل يختلف عما يتصوره البعض من إقصاء لأجيال اكبر من المشهد وبصرف النظر عن مسألة الخبرات والكفاءات، وعلى سبيل المثال فإن صاحب الورقة المقترحة للسياسة الثقافية لمصر له خبراته الثمينة سواء في العمل البحثي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، او مركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة "الأهرام" الى جانب خبراته في التدريس الجامعي.
وفيما قام منذ سنوات بعيدة بتدريس مادة مناهج البحث في كلية الاعلام بجامعة القاهرة على مستوى البكالوريوس والماجستير، امتدت خبرات السيد يسين في التدريس الجامعي بعد ذلك الى الجامعة الأمريكية حيث قام بتدريس مادة الاجتماع لسنوات طويلة يقول عنها أنها "أكدت له أهمية التفاعل مع اجيال الشباب".
ويضيف قائلا: "استطيع القول إنني تعلمت كثيرا من حواراتي مع هذه الأجيال الشابة لأنني لم اكن ادرس بالطريقة التقليدية ولكنني كنت افسح مجالا واسعا أمام الطلبة للمناقشة والتعليق، حتى لو اختلفوا مع ما أطرحه من نظريات وأفكار".
ويرى السيد يسين أن بمقدور الشباب إثبات ذاتهم "لو مارسوا التجدد المعرفي باعتبار أن احد شعارات القرن الحادي والعشرين هو التعليم المستمر، بالاضافة الى التدريب واكتساب الخبرة التي تؤهلهم لشغل الوظائف القيادية واهم من ذلك كله متابعة التحولات العالمية وفهم منطقها الكامن وتكوين رؤى مستقبلية مبدعة تقوم على العلم والخيال معا لحل مشكلات مصر".
واللافت أن السيد يسين اكد أن المجتمع المصري غير مستعد بالقدر الكافي للتغيرات العالمية "نتيجة تكلس النخب الثقافية والسياسية وعجزها عن المتابعة المنهجية للتحولات العالمية"، ومن هنا يقع على عاتق الدولة - كما يقول - أن تساعد المجتمع بمختلف الوسائل التعليمية والثقافية والاعلامية لكي يرتقي وعي الطبقات الاجتماعية المختلفة وتكون قادرة على تحقيق النهضة المرجوة والعبور الى المستقبل.
وفيما يوضح الشاعر احمد عبد المعطي حجازي أن الثقافة أوسع مجالا واشد خطرا من أن تحصر في مجال واحد من مجالات الحياة الانسانية لأن الحياة لا تكون انسانية الا بالثقافة، معتبرا ان الثقافة باختصار هي "الحياة الانسانية حين تتحول الحياة الى صور ورموز وأفكار وخبرات يجب أن نعرفها ونضع ايدينا عليها ونتمثلها لنعرف انفسنا ونشارك في صنعها ولنعرف العالم ونشارك في صنعه"، فيما يتساءل: "فهل نحن نعرف انفسنا ونتحكم في مصيرنا؟".
يظن حجازي أن النفي هو الجواب الصحيح لسؤاله وبدوره رأى الفنان التشكيلي عادل السيوي "اننا نعاني ضمورا ملموسا في فاعلية النخب وتهافت منتجها"، مشيرا الى أن "الخطاب الثقافي مازال تابعا لدينا لأولويات ولشروط الخطاب السياسي وفي العقود الأخيرة استضفنا التطرف ليشكل وعي شرائح واسعة من العقول".
في الغرب - كما يوضح عادل السيوي- يعملون بجدية لتجاوز مشاكلهم الثقافية ويصفونها بكل أمانة، ولكي نتحرك نحن ايضا بجدية لمواجهة مشاكلنا الثقافية، وهي كثيرة يتوجب بداية التخلي عن "طريقتنا المعتادة في الالتفاف حول الحقائق القاسية"، وان نوصف كخطوة أولي تأسيسية ما نحن عليه بالفعل الآن وان نقيم ما لدينا من عتاد ثقافي.
يقول السيوي: "كفانا استراتيجيات كونية ووعودا مستقبلية, لنبدأ بما تحت ايدينا من إمكانات وطاقات ومن مواقع وقامات ثقافية لخلق حالة انتباه ولتوسيع حضور الثقافة في الواقع واستدعاء العقل والخيال معا"، معتبرا ذلك المقدمة لأي عافية ثقافية فيما تتحمل الأجهزة الرسمية الدور الأكبر بلا جدال.
وتضمنت مبادرات بعض المجموعات فى الحياة الثقافية المصرية بعد ثورة يناير مطلب تحويل المجلس الأعلى للثقافة الى كيان مستقل بعيدا عن وزارة الثقافة، فيما اعد الفنان التشكيلى عادل السيوى اقتراحا يتمثل فى إشراف المثقفين على هذا المجلس عبر انتخابات حرة وبحيث يتحول الى "كيان حيوى يمكنه وضع الخطوط الرئيسية للعمل الثقافى فى مصر".
على أن الأمر فى جوهره يتجاوز بكثير مجرد تغيير فى الأسماء والمسميات او وضع لافتة محل اخرى، بقدر ما يتطلب إرادة سياسية واعية بأهمية دور وزارة الثقافة فى المرحلة الراهنة على وجه الخصوص حيث تفرض اسئلة عديدة ذاتها مثل السؤال عن دور هذه الوزارة فى صياغة المضمون الثقافى الثورى الواجب لصنع التغيير الذى يلبى مطالب الشعب المصرى.
ويبدو أن الأمر في العلاقة بين بعض المثقفين ووزارة الثقافة يعكس الى حد كبير الاشكالية التاريخية للعلاقة المتوترة بين "المثقف والسلطة" في العالم العربي وهو ما قد يفسر تلك الأصوات التي تأججت غضبا مع الاعلان عن ورقة مقترحة للسياسة الثقافية.
وهناك رأي آخر يذهب الى أن المسألة برمتها صراع صاخب على الغنائم واكبر قدر ممكن من المكاسب في المؤسسة الثقافية الرسمية! ووسط كل هذا الضجيج تتوارى الحقيقة حول الفريضة الثقافية الغائبة وهي ضرورة وجود سياسات ثقافية تنفذ بجدية واهميه "فلسفة العمل بوزارة الثقافة وان تكون خدماتها الثقافية موجهة للشعب فى عمومه".
وبعيدا عن اي شخصنة للقضايا يبدو أن هناك حاجة لتحسين كفاءة وفاعلية الموارد البشرية لوزارة الثقافة وأجهزتها واذرعها الممتدة من حلايب الى الأسكندرية ، ومن المؤكد أن الأمر هنا يتركز في المقام الأول على زيادة جودة اداء البنية المؤسسية الثقافية الرسمية بما يخدم الثقافة المصرية والموارد غير الملموسة للقوة الناعمة المصرية وتعظيم قدرتها.
ومسائل مثل تواضع قدرات وضعف مهارات الموارد البشرية للمؤسسة الثقافية الرسمية او عدم توافر المستوى المنشود من المكاشفة والشفافية او الاغراق في النزعة الدعائية والشكلانية لن تخدم الهدف الاسمى المتمثل في دعم السلطة المعنوية للدولة المصرية وتعظيم الرأسمال الرمزي لمصر في زمن الفضاء الالكتروني.
واستعادة العافية الثقافية، ناهيك عن تحول الثقافة لفضاء ابداعي، وكذلك تحقيق العدالة الثقافية، كلها مسائل لن تكون دون حضور واجب وعادل للشباب والدفع بأجيال جديدة من المبدعين في سياق طبيعي وسوي بعيدا عن افتراض يفتقر للسوية وفحواه أن تمكين الشباب شرطه الجوهري إقصاء الكبار!
نعم حان الوقت لحراك الأجيال وانتقال الشباب لمواقع المسؤولية على قاعدة الكفاءة والجدارة في كل المجالات، بما فيها العمل الثقافي، دون ان يعني ذلك ابدا "قتل الأب"، وتحويل القضية عبر "ثقافة البذاءة" لصراع اجيال ونسف ثوابت واهانة قيم او اهدار الرموز و قذف الكبار بالحجارة وفيهم من دعا دوما لتمكين الشباب ووضع احلى سنوات عمره في خدمة الوطن وتحت علم مصر.
لقد تغير مفهوم القوة بالفعل مع العولمة وثورة المعلومات واقتصاد المعرفة وتتوالى طروحات حول ما يسمى "القوة الذكية" كمحصلة للتفاعل بين عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة التي تعد الثقافة قوامها وأساسها، فماذا نحن فاعلون؟ وهل من سبيل لتحويل الغضب الشاب لطاقة خلق وجسد إبداع ؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.