تتميز المؤامرة الأمريكية علي الشرق الأوسط هذه المرة بسذاجة غير عادية في التفكير وفجاجة غير عادية في الاخراج، فقد خلقت المخابرات الأمريكية وتوابعها في الغرب والموساد الاسرائيلي عصابة داعش الارهابية وسلحتها ومكنتها من التمويل بنهب بنوك الموصل وبترول شمال العراق عندما سقط المخطط الاجرامي الأساسي لتفتيت دول المنطقة بسقوط حكم عصابة الاخوان الارهابيين في مصر على يد ثورة 30 يونية المجيدة، بعد أن كان المخطط على وشك النجاح الكامل بأخونة الدولة في مصر وهدم الدولة المدنية العريقة التي استغرق بناؤها قرنين من الزمان منذ حكم محمد علي الكبير، وكانت عملية الاخونة التي كادت تنجح تتضمن إلغاء مفهوم الوطنية المصرية واستبداله بقومية جديدة مبنية على الدين باعتبار أن الوعاء الاسلامي الذي تدعي الجماعة الارهابية احتكاره هو الوعاء الوحيد، وكل من كان خارجه من غير المسلمين سواء كانوا أقباط مصر أو مسيحيي العالم العربي والطوائف الدينية الأخرى غرباء عن أرض الاسلام عليهم أن يرحلوا منها أو يدفعوا الجزية صاغرين لحكام من عصابة الاخوان المسلمين. وما دام الوعاء الاسلامي هو الوحيد فلا تفرقة بداخله بين مسلم يعيش في مصر ومسلم يعيش في غزة أو حلايب وشلاتين، ومادام الأمر كذلك فلا ضرر في أن تترك مصر جزءا من أرضها في سيناء ليضم الى قطاع غزة وبذلك تستطيع أمريكا محركة الدمية الاخوانية حل الصراع العربي الاسرائيلي الى الابد، فكلها أرض الاسلام سواء كانت تحت حكم عصابة حماس في غزة أو عصابة الاخوان في القاهرة ولا غضاضة أيضاً من التنازل عن حلايب وشلاتين لديكتاتور الخرطوم ما دام بدوره يرفع راية الحكم الاسلامي وتطبيق شرع الله فيما بقى من السودان الذي مزقه الديكتاتور في سبيل احتفاظه الى الأبد بحكم السودان الشمالي من أصل عربي وأغلبه مسلمون، كاد هذا المخطط الشرير الذي أشرف الخونة والعملاء على تنفيذه لحساب أمريكا مقابل بقائهم في الحكم ينجح لولا قيام الثورة المجيدة في 30 يونية وسقوط حكم العصابة الارهابية العميلة، وعندما سقطت العصابة سقط معها المخطط الامريكي وافتضح أمره تماماً، وجن جنون العصابة الحاكمة في واشنطن، وراحت تعمل في هيستيريا على انقاذ المؤامرة ومحاصرة الحكم الوطني الجديد في مصر وباتهامه بأنه انقلاب عسكري رغم تأييد ثلاثة وثلاثين مليون مصري له في أضخم مظاهرة عرفها التاريخ في أي دولة في العالم، وراحت عصابة واشنطن تحاول منع السلاح عن مصر ومحاصرتها اقتصادياً لتخريب المشروعات التنموية العملاقة التي بدأت حكومة مصر الوطنية في تنفيذها، وإذا بشعب مصر العملاق يخرج في استفتاء جديد على تأييد حكمه الوطني، فيجمع من مدخراته ستين مليار جنيه في أول أسبوعين لشراء شهادات تمويل المشروعات التنموية الوطنية، فلا تحتاج مصر للاستدانة من البنك الدولي الأمريكي أو غيره، ويسقط في يد أشرار واشنطن الذين كادوا يموتون بغيظهم، ويسارعون بتفعيل النشاط الارهابي في العراقوسوريا بتحريك عصابة داعش الارهابية، وتستولي العصابة في سرعة مريبة على مساحات واسعة من العراقوسوريا بالسلاح الأمريكي والتمويل الناجم عن الأموال المنهوبة من البنوك والبترول المسروق، ويتكشف المخطط الأمريكي البديل الذي تميز هذه المرة بالسذاجة المفرطة والفجاجة المقززة، فتقوم عصابة داعش بقتل بعض الرعايا الغربيين ضمن المئات الذين ذبحتهم في بربرية فظيعة لإرهاب المواطنين ودفعهم الى الاستسلام للمسيخ الدجال الذي نصب نفسه قائدا لعصابة داعش وخليفة للمسلمين، وتتحرك امريكا وتوابعها في الاتحاد الأوروبي فتعلن انشاء حلف دولي للقضاء على داعش الارهابية التي تحاول المخابرات الغربية إرهابنا بأن قوات داعش وصلت الى ثلاثين ألف مقاتل أي ما لا يزيد على فرقتين عسكريتين تريد منا السذاجة الامريكية أن نصدق أن القضاء على فرقتين من الذئاب المسعورة الخارجة من كهوف العصور الوسطى يحتاج لحلف من أربعين دولة تقودها أمريكا وأن هذه «الحرب» قد تستمر سنوات. وتتمادى أمريكا في فجاجتها فتعلن أنها لن تضع جنوداً على أرض المعركة بل ستقوم بالقصف الجوي فقط وعلى العرب تقديم الجنود لأرض المعركة، ويقوم أذنابها الغربيون بتركيز مساعدتهم في العراق على منطقة كردستان العراقية لضمان انفصالها عن العراق لتكون باكورة الدويلات المتناحرة التي تسعى أمريكا الى تفكيك دول الشرق الأوسط لها. وتتمادى الفجاجة الأمريكية فتعلن أنها ستستبيح الفضاء الجوي السوري لطائراتها في طريقها لمهاجمة داعش ذهاباً وعودة دون إذن الحكومة السورية وأنه لو تعرضت القوات السورية لطائرات أمريكا فستقوم أمريكا بتدمير كل القواعد والدفاعات الجوية السورية، وتتصور السذاجة الأمريكية أن العرب لا يدركون أن الهدف الحقيقي من هذه التمثيلية الأمريكية هو اسقاط نظام الحكم في سوريا واستبداله بحكم عملاء لأمريكا تابعين لتيار الاسلام السياسي مثل عصابات جبهة النصرة وغيرها، أي اعادة عصابة الارهاب الاخوانية ومثيلاتها للحكم في سوريا بعد أن سقط حكمها في مصر. وتميز أمريكا من الغيظ والحقد عندما ترى مصر تسخر من محاولاتها استدراج الجيش المصري لمستنقع الحرب في العراق والشام بأمل تدميره بعد أن فشلت محاولاتها اليائسة في تدميره في سيناء وفي الصحراء الغربية على يد العصابات الارهابية التي مكنها حكم العصابة الاخوانية من التمركز في سيناء وقيام العملاء في عصابة حماس بتدريبهم وتوفير المأوى الآمن لهم في غزة. وسط كل هذا الشر وزعزعة الاستقرار الذي تدبره أمريكا لن تقوم آلة الاعلام الغربي بنشاط محموم لخلط الأوراق وادخالنا في متاهات تعجزنا عن رؤية الطريق واتخاذ الرد المناسب. وأمامنا الآن مثال واحد مما يقوم به الاعلام الغربي المسموم لإرباكنا، نشرت مجلة «فوربين بوليسي» الأمريكية اليمينية وثيقة الصلة بالمخابرات الأمريكية في 30 يونية مقالاً لكاتبها دافيد روثكوب تحت عنوان «الخط الأحمر في الشرق الأوسط» يزعم روثكوب في مقاله أنه لو هاجمت داعش الأردن فلن تستطيع كل من أمريكا واسرائيل عدم التدخل في القتال، والمقال شديد الحرفية في التضليل وخلط الأوراق لدرجة نرى معه تقديمه كاملاً للقارئ على عدة مقالات حتى يرى كيف يحاول الاعلام الغربي ارهابنا واللعب بعقولنا حتى نضل الطريق. يشير الكاتب الى مدينة سراييفو في دولة البوسنة وهى المدينة التي قتل فيها طالبان صربيان ولي عهد النمسا وزوجته في صيف سنة 1914 فقامت النمسا باعلان الحرب على الصرب فتدخلت الدول الأوروبية في النزاع واندلعت الحرب العالمية الأولى. يقول الكاتب: هناك سراييفو في الأردن في مكان ما، بعيداً عن عمان في المنطقة المقفرة في الشرق أو الشمال، فإذا حاول المتطرفون المسلحون الذين يسمون أنفسهم الآن ممثلي دولة الخلافة الاسلامية وجنودها، إذا حاولوا عبور هذا الخط فإن النزاع الحالي الذي يشمل سورياوالعراق قد ينفجر ويصبح أكثر خطراً وكلفة، وليس هذا هو نوع الخط الأحمر الناجم عن سوء تقدير وعدم حماس الرئيس الأمريكي، بل هو نوع الخط الأحمر الذي يفجر تغييرات تاريخية ويستحق منا أن نأخذه في الحسبان عندما نتذكر الأحداث التي صنعت التاريخ في سراييفو وأدت الى نشوب الحرب العالمية الأولى منذ مائة عام. وحالياً فإن الحرب في سورياوالعراق تبدو كأنها تدعو أمريكا للبقاء على الهامش خارجها، وبعد أن كانت فوضى سائدة بدأت تأخذ شكلاً واضحاً، ففي كلتا الدولتين حالياً فإن الأحلاف التي تمثل الطبقة الحاكمة تتم بالتعاون مع ايرانوروسيا ضد المتطرفين، وقد أعلن هذا الأسبوع أن طائرات وذخيرة روسيا تشحن للعراق، وقامت الطائرات السورية الأسبوع الماضي بضرب أهداف لداعش في العراق، ويبدو واضحاً الدور الإيراني والحرس الثوري الايراني، فقد قام الحرس الثوري بالنشاط في كلتا الدولتين، ويبدو الموضوع كنزاع تقليدي بين طرفين متربصين ببعضهما. ومع استعداد كل من روسياوايران للحرب ضد داعش يبدو الوضع مغرياً لأمريكا بالبقاء خارج الحرب، فلو كانت أمريكا تريد وعوداً من روسياوايران بالاصلاح السياسي فإنهما طبعاً لا يريدان من امريكا التدخل، وستكون العراق أصعب في تعامل امريكا معها، فرئيس الوزراء المتشدد نوري المالكي ربما يفضل الاعتماد على كل من ايرانوروسيا، وفي حلف غير مكتوب مع بشار الأسد لتجنب مشقة اقامة حكم ديمقراطي حقيقي، ولكن لسوء حظ العالم فإن الطريق لجعل أطراف أخرى تحارب بدلاً منا قد يكون الطريق الأسهل ولكنه طريق خطير جداً. ونقف عند هذه الفقرة لنستأنف في المقال التالي عرض كيف تقوم أبواق الدعاية الامريكية مثل مجلة «فوربين بوليسي» بخلط الأوراق وإغراقنا في متاهات حتى لا نرى المنزلق المدمر الذي تدفع امريكا المنطقة إليه. نائب رئيس حزب الوفد