أكدت سلطنة عُمان أن الإرهاب الذي يعصف بالدول العربية مهما تعددت مسمياته وصنوفه، ومهما كانت توابعه ومبرراته، يجب أن يكون عملا مدانا بكل المقاييس، أعلنت السلطنة ذلك في كلمتها أمام الأممالمتحدة في نيويورك التي ألقاها يوسف بن علوي بن عبدالله، الوزير المسئول عن الشئون الخارجية فى سلطنة عمان. كما شددت السلطنة على إدانة الأعمال الإرهابية واللا إنسانية كافة التي يرتكبها ما يسمى بتنظيم الدولة اللاإسلامية في العراق والشام. وأشار يوسف بن علوي في الكلمة إلي أن العراق سوف يتمكن بدعم المجتمع الدولي من التغلب على هذه الآفة، موضحا أن العراق الذي بنى حضارة عبر التاريخ لا يمكن أن يهزم اليوم ونحن معه نسانده في كل شيء. *** على ضوء هذا الموقف العمانى استرجع المحللون السياسيون عبارات مهمة ومأثورة قالها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان منذ سنوات بعيدة، وتحديدا عام 1994، في كلمته التي ألقاها في مدينة نزوى التاريخية فى احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الرابع والعشرين، حيث ذكر فيها: "لقد أثبت التاريخ بما لا يدع مجالا للشك، أن الأمم لا تتقدم ولا تتطور الا بتجديد فكرها وتحديثه. وهكذا الشأن في الأفراد. فالجمود داء وبيل قاتل عاقبته وخيمة، ونهايته أليمة".. وأضاف فى كلمته: "إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا ، ولا تقبل ابدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق". أضاف: "لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن بالحكمة والبيان، وضمنه المبادئ العامة والقواعد الكلية للأحكام الشرعية، ولم يتطرق فيه إلى جزئيات المسائل التي يمكن أن تختلف باختلاف الزمان والمكان، وذلك ليتيح للمسلمين الاجتهاد في مجال المعرفة والفهم الديني واستنباط الأحكام لما يستجد من وقائع وفقا لبيئاتهم وللعصر الذي يعيشون فيه مع الالتزام الدقيق في هذا الاستنباط بتلك المبادئ العامة والقواعد الكلية". *** من جانبهم يرى المحللون السياسيون أنه انطلاقا من تلك الرؤى التى تضمنتها كلمات السلطان قابوس التى أكد عليها منذ عقدين من الزمان، فقد خاطبت السلطنة من على منبر الأممالمتحدة العالم أجمع، حيث جددت التأكيد على مواقفها الصريحة والمباشرة تعبيرا عن سياساتها الثابتة التى يوجه بتفعيلها دائما السلطان قابوس بن سعيد منذ مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي، التي تدل على أن مواقفها أساسها الدعوة الى السلام، وأن العلاقات العُمانية الخارجية تقوم علي قيم التواصل الحضاري والحوار والاحترام والتعاون الإيجابي، ولذلك تشيد العديد من الدراسات الإستراتيجية بأهمية مكانتها فى منظومة العلاقات الدولية، خصوصاً أن هناك إجماعا على أنها تعد مركزا رئيسيا لمشاورات ومباحثات مهمة على المستويات كافة، تماما مثلما تعتبر بمثابة خط الدفاع الأول، والحارس الأمين لأمن منطقة الخليج وسلامتها واستقرارها، مما ينعكس ايجابيا على دعم السلم العالمى، فضلا عن أنها شريك ايجابي فى علاقات وثيقة على المستويين الإقليمي والدولي. كما يرى المحللون أن السياسة الخارجية للسلطنة تعكس ملامح شخصية الإنسان العمانى وخبراته التاريخية، ولذلك فإنها تتسم دائما بالهدوء والصراحة والوضوح على خلفية احترام الشرعية الدولية، مع التمسك بعدم ازدواجية المواقف، فلا تناقض مطلقا ما بين القرارات التى تشارك فى اتخاذها داخل قاعات الاجتماعات المغلقة، وما بين المواقف التى تعلنها عبر وسائل الإعلام. لقد أكسبتها تلك التوجهات على مدار سنوات ثقة الزعماء والحكومات والشعوب، مما أتاح لها الفرصة للإسهام بفاعلية فى المساعى الرامية الى التوصل إلى حلول سلمية وعادلة للكثير من المعضلات الدولية الشائكة، خصوصاً أن منطقة الخليج شهدت العديد من المواجهات بالغة الحدة إلى حد أنها هددت أمن وسلامة واستقرار المنطقة بأكملها لاسيّما إبان حربى الخليج الأولى والثانية. كما حرصت السلطنة أيضا على تحقيق التوازن فى علاقاتها الخارجية فقد اختارت البديل الصائب برفضها الانحياز إلى أى محور، فى مواجهة أى تجمعات أخرى مضادة. تأكيدا على ذلك تبنت خيارا استراتيجيا وموقفا وسطيا معتدلا يعبر عن الحرص على إقامة علاقات تتسم بالإيجابية مع مختلف الأطراف بما فيها الدول الكبرى، فى سياق متصل فإن للسلطان قابوس عبارة مأثورة أخرى وقال فيها منذ سنوات: "ليس لدينا أي خلافات, وأيضا نحن لا نصب الزيت على النار في أي اختلاف في وجهات النظر مع أحد".