بالديمقراطية الحقيقية يحمي الديمقراطيون وحدة بلادهم.. وبالديمقراطية الشكلية ندمر وحدة شعوبنا!! وهذا هو الفرق، والدرس - هذه المرة - من اسكتلندا في أقصي شمال غرب أوروبا.. ومن اليمن في أقصي جنوب الوطن العربي.. ما هو الفرق؟ اسكتلندا التي لا يتعدي عدد سكانها الملايين الخمسة.. وكانت مملكة مستقلة حتي مطلع القرن 18 وهم فعلاً قومية خاصة تعترف بها حتي مملكة «المملكة المتحدة» أي بريطانيا، حاولت مرات عديدة استعادة استقلالها، وهي تملك مقومات ذلك.. ولكنها لجأت إلي الأسلوب الديمقراطي لتحقيق هذا الحلم.. ومازال في ذهننا الفيلم الشهير «المحارب الشجاع» الذي يصور لنا آخر ثورات أبناء اسكتلندا أو «اسكوتلاندا». والاستفتاء الذي جري يوم الخميس الماضي لم يكن الأول، ولن يكون الأخير.. ولكن لأن «المملكة المتحدة التي تضم: انجلترا وويلز واسكوتلاندا وايرلندا الشمالية» هي أعرق ديمقراطية في الغرب.. فإن القرار يجب أن يمر عبر القنوات الديمقراطية، وليس عبر السلاح والاقتتال الذي يصل بهم إلي الدمار الشامل.. ولكن شعب اسكوتلاندا حسبها جيداً، هو يسعي إلي أن يكون قراره الداخلي بيده وحده.. أي بعيداً عن الحكومة المركزية في لندن في أقصي جنوب البلاد..واذا كان الاستفتاء - قبل الاخير - نجح في منح برلمان اسكوتلاندا مزيداً من السلطات.. ورغم أن اسكوتلاندا تمتلك رصيداً ضخماً من الغاز والبترول في بحر الشمال تتقاسمه مع النرويج.. إلا أن الخروف كان كبيراً لو خرجت من كتلة الاسترليني.. خصوصاً إذا طلبت الانضمام إلي الاتحاد الاوروبي، وبالتالي منطقة اليورو. كما أن الخوف من ان ينجح الاستقلاليون في تشجيع أقاليم أخري بالخروج من إطار هذه «المملكة المتحدة» وهو الاسم الرسمي لبريطانيا مثل ايرلندا الشمالية أو ويلز.. بحيث لا يبقي من هذه المملكة التي كانت أقوي دولة في الغرب قبل بزوغ نجم امريكا.. إلا أقليم «انجلترا» من هنا أمام حكومة «لندن» أن تحصل اسكوتلاندا علي مزيد من السلطات المحلية الداخلية حتي تطفئ - ولو لعدة سنوات - لعبة الاستقلال لدي هذا الشعب شديد الطموح قوي الشكيمة.. أي أن نتائج الاستفتاء الذي جري منذ ساعات أنقذ المملكة المتحدة من النهاية ومن النجومية التي عاشتها علي مدي ثلاثة قرون، كانت هي عصرها الذهبي من بدايات عام 1700!! والوضع عندنا - في الوطن العربي - جد مختلف، ذلك أننا إذا اختلفنا ولو علي «ضرع ناقة» لجأنا مسرعين إلي السلاح، وما داحس والغبراء إلا النموذج الفج، للجوء إلي السلاح. وهذا هو الوضع في العراق.. وفي سوريا.. وهما من الدول القديمة.. وفي ليبيا وهي دولة جديدة، كدولة مركزية.. كيف؟! ثم في اليمن.. العراق تعرف بهذا الاسم منذ آلاف السنين واحياناً تحت مسميات بابل أو آشور، أو ما بين النهرين.. وأهلها من أصول عربية، ومنهم الاكراد في الشمال وهذا «العراق» الآن يعيش حالة من «العراك» وإذا كان العراق الحديث قد ظهر موحداً في عشرينيات القرن الماضي إلا أنه الآن يمر بمرحلة تفكك رهيب: الأكراد في الشمال، والسنة في الوسط، والشيعة في الجنوب، وكل من حوله مثل إيران في الشرق، وتركيا في الشمال يسعون إلي تمزيقه، ولن تنسي ايران حربها مع العراق التي استمرت 8 سنوات بين عامي 1980 و1988 ولم يعد - في كل العراق - من يأمن علي نفسه، فالقتل أصبح علي «الهوية»! وآخر الكوارث العربية ما يحدث الآن في أقصي جنوب الوطن العربي.. في اليمن، ونترك هنا الحديث عن ليبيا إلي موضوع قادم لنتحدث عما يحدث في اليمن.. فاليمن هو موطن أم العرب، ووالد كل العرب!! هذا اليمن معرض للتمزق والعودة إلي وضع كنا نسخر منه كثيراً.. كان الشمال اليمني تحت حكم أئمة أسرة حميد الدين .. أما اليمن الجنوبي فكان يضم العديد من السلطنات، والامارات، والمشيخات، ثم عدن وحضر موت، من السلطنات: سلطة لحج، سلطنة القعيطي، والكثيري.. ومن الامارات: الضالع، بيجان، الفضلي، يافع العليا.. والسفلي، ومن المشيخات: بير علي، حورة السفلي، العوالق، العقارب. أي خليط من السلطنات والامارات والمشيخات.. ولكنها نجحت في تكوين دولة اتحادية عاصمتها عدن هي اتحاد الجنوب العربي الذي تحول إلي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1967 ثم سريعاً ما حدثت الوحدة بين اليمنين الشمالي في صنعاءوالجنوبي في عدن في مايو 1990. وتعرض هذا اليمن لكثير من المحن.. آخرها حتي الآن ثورة الحوثيين الذين دخلوا صنعاء منذ ساعات وقصفوا مقر التليفزيون وسيطروا علي وسط العاصمة..فهل يشهد جيلنا مأساة انفصال جديدة في جنوب بلاد العرب.. كما عاش مأساة انفصال قديم في شمال بلاد العرب، بانفصال سوريا عن مصر.. وابحثوا عن أصابع من يريد تدمير العرب، كل العرب.