السينما فى أى مكان تعبر عن مواطنيها وواقعهم ومشاكلهم. الفلاح فى مصر هو أساس المجتمع المصرى منذ فجر التاريخ، وتحتفل مصر غداً بعيد الفلاح والفلاحين نسبتهم تزيد على 60٪ من تعداد الشعب المصرى. نستطيع القول إن السينما المصرية تجاهلت الفلاح والفلاحين تماماً، حيث ركزت فى ربع قرن الأخير على شخصيات دخيلة على الشعب المصرى الأصيل: تاجر المخدرات، البلطجى، رئيس العصابة، القواد، الحرامى، الشاب المستهتر مدمن المخدرات، الفتاة المنحرفة، وغيرها من الشخصيات السلبية التى تشوه أى مجتمع لتحل «السنجة» محل «الفأس» ونماذج المجرمين تغطى على النماذج الإيجابية للفلاح المصرى. أنتجت السينما العديد من الأفلام الرائعة التى عبرت عن مشاكل وشخصية الفلاح، وحققت نجاحاً هائلاً. نحاول أن نلقى الضوء على بعض منها. يأتى على رأسها فيلم «الأرض» إنتاج 1968، بطولة محمود المليجى ونجوى إبراهيم وعزت العلايلى ويحيى شاهين وإخراج يوسف شاهين. فى هذا الفيلم جسد العملاق محمود المليجى شخصية الفلاح المقهور محمد أبوسويلم فى عصر الاحتلال، الذى قاوم الظلم حتى مات مسحولاً فى نهاية الفيلم ودماؤه الذكية تروى الأرض العطشانة. استعرض هذا الفيلم مشاكل جموع الفلاحين مع السلطة الحاكمة، وتحكمها فى كمية المياه التى تروى الأرض، وتعرض الفلاحين لأبشع أنواع الظلم والقهر والاستبداد فى العام نفسه، أنتجت السينما فيلم «الزوجة الثانية» ويعتبر بلا شك أحد العلامات البارزة فى تاريخ السينما، الفيلم بطولة سعاد حسنى وصلاح منصور وشكرى سرحان وإخراج صلاح أبوسيف. هذا الفيلم عبر بشدة عن قهر السيدة الفلاحة وزوجها المسكين الذى يجبر على طلاقها ليتزوجها العمدة «عتمان» فى الفيلم جسد مجموعة شخصيات عبرت عن الفلاح والفلاحة والعمدة وزوجته وشيخ الغفر وصديق العمدة شيخ البلد حسن البارودى الذى يحلل له الحرام، وحتى ضابط الشرطة المنحرف داخل القرية فى عصور الاحتلال، جسد الفيلم بواقعية شديدة الظلم الذى تعرض له الفلاح، ومدى سطوة العمدة على كل شىء فى القرية حتى يجبر الزوج على طلاق زوجته ليتزوجها وسيطرته التامة على كل شبر داخل القرية وحرمان الفلاح حتى من لقمة العيش وكوب الشاى وملعقة السكر التى كانت حلماً من فرط الحرمان الذى يعانى منه وحرمانه حتى من الماشية، التى يأخذها العمدة عنوة، ولا ننسى مقولة الفلاحة العجوز «جاموستى يا عمدة» فاطمة عيارة التى تبيع نفسها من أجل قطعة حلاوة. مجموعات شخصيات مأساوية عبرت عن القرية المصرية وقهر الفلاحين رجال وسيدات فى هذا الفيلم الخالد. ولا ننسى فى العام نفسه فيلم «شىء من الخوف» بطولة شادية ومحمود مرسى ويحيى شاهين ومحمد توفيق وإخراج حسين كمال. هذا الفيلم جسد شخصية الفلاحة المصرية القوية التى لا تخشى أحداً سوى المولى سبحانه وتعالى، فؤادة التى تقف أمام جبروت العمدة عتريس بل وتقود القرية للثورة ضده مع إنها كانت تحبه قبل أن يتحول لمجرم يستحل الدماء وهتك عرض النساء، وقتل الشباب وتنجح القرية بعد أن تتحد فى القضاء على «عتريس» فى مشهد خالد فى تاريخ السينما، ومقولة «جواز عتريس من فؤادة باطل». هناك مجموعة أخرى من الأفلام عبرت عن الفلاح، منها فيلم «ابن النيل» إنتاج 1951 بطولة: شكرى سرحان وفاتن حمامة ويحيى شاهين ومحمود المليجى وسميحة توفيق وإخراج يوسف شاهين، وجسد هذا الفيلم شخصية الفلاح شكرى سرحان «حميدة» الذى هجر قريته وزوجته بحثاً عن حياة أفضل فى القاهرة، وهناك يصطدم بالمنحرفين ويتورط فى جريمة ويدخل السجن ويقرر فى النهاية العودة لحياة القرية حيث الأمان والبسطاء من الناس بعيداً عن ضجيج المدينة. ولا ننسى فيلم «الأفوكاتو مديحة» إنتاج 1950 بطولة: مديحة يسرى ويوسف وهبى وحسين رياض وفاخر فاخر. هذا الفيلم جسد شخصية مديحة بنت القرية التى تحصل على ليسانس الحقوق وتتمرد على حياة القرية وترفض الزواج من ابن عمها، لمجرد أنه فلاح، وتعيش فى القاهرة وتفشل فى حياتها العلمية لتكتشف فى النهاية أن حياة القرية أفضل وتوافق على الزواج من ابن عمها، ويجسد شقيقها محمد أفندى شخصية الفلاح الأصيل المتعلم الذى يقبل يد والدته كل يوم ويعمل فلاحاً فى الأرض، وفى الوقت نفسه يقف أمام الباشا عديم الشخصية ويخوض أمامه الانتخابات ليصبح عضواً فى البرلمان. ولا ننسى فيلم الأرض الطيبة إنتاج 1953 بطولة: مريم فخر الدين وكمال الشناوى وحسين رياض. يتناول هذا الفيلم قصة فلاحة بسيطة تتمتع بجمال هائل، ترث فجأة آلاف الأفدنة بعد أن اكتشفت أنها ابنة الباشا تلك الفلاحة كانت زاهدة وتقرر توزيع أرضها على الفلاحين الغلابة فى عصر الإقطاع، بل يوافق خطيبها الأفندى على العمل كفلاح ليستمتع بالعمل كمزارع يجنى المحصول. فيلم «زينب» إنتاج 1948 بطولة: راقية إبراهيم ويحيى شاهين وفريد شوقى والسيد بدير، جسدت راقية إبراهيم فى هذا الفيلم شخصية الفلاحة المغلوبة على أمرها فى بيت زوجها، يوضح هذا الفيلم مدى تحمل الفلاحة المصرية لأى ظروف ويضطر أبوها فى النهاية لإجبار الزوج على تطليق زوجته هرباً من الجحيم التى تعيشه. «حسن ونعيمة» إنتاج 1959 بطولة: سعاد حسنى ومحرم فؤاد وحسن البارودى وحسين عسر ومحمود السباغ وإخراج بركات. هذا الفيلم، جسد الرومانسية فى القرية المصرية والحب الذى جمع بين نعيمة وحسن المغنواتى، والصراعات داخل القرية مع حسن المغنواتى حتى لا يفوز بقلب نعيمة، ظهرت فى هذا الفيلم شخصية عبيط القرية التى جسدها الفنان محمد توفيق، والشرير عطوة الذى يستحل دماء أعراض أهل القرية، والرجل الطيب حسن البارودى والأب الظالم حسين عسر، شخصيات كانت بالفعل من واقع القرية المصرية، البساطة فى كل شىء حتى أفراح القرية وطريقة التعبير عن الأفراح والأحزان داخل القرية المصرية. فيلم «لن أبكى» إنتاج 1959 بطولة: فاتن حمامة وعماد حمدى وزكى رستم ووداد حمدى. هذا الفيلم جسد تيمة مختلفة ابنة الباشا التى تعيش حياة ناعمة ومرفهة يتعرض والدها لأزمة مالية شديدة، يقرر على إثرها الرحيل للقرية لكن ابنته تقرر إصلاح الأرض البور والعمل بنفسها فى الأرض مع المهندس الزراعى أحمد وتنجح بمساعدة الفلاحين فى استصلاح عشرات الأفدنة البور، أوضح هذا الفيلم أن أى مصرى يستطيع العمل بالزراعة والنجاح بشرط الإرادة والتصميم. فيلم «الحرام» تأليف يوسف إدريس، إنتاج 1960 بطولة فاتن حمامة وعبدالله غيث وزكى رستم. جسد هذا الفيلم عصر الفلاح والفلاحة اللذين يتعرضان للسخرة فى مواسم جنى القطن والخولى الذى يتحكم فى الفلاح طوال اليوم ويحصل الفلاح فى نهاية اليوم على قروش قليلة لا تسد جوعه. ركز الفيلم على شخصية الفلاحة التى تعول زوجها المريض وتتعرض للاغتصاب داخل الأرض وتصاب بحالة شديدة من الإعياء كان ذلك فى عصر الاحتلال. يوضح هذا الفيلم مدى معاناة الفلاحة المصرية التى تعول زوجها وأولادها وتتعرض لكافة أنواع القهر. «رد قلبى» إنتاج 1957، تأليف يوسف السباعى بطولة: شكرى سرحان ومريم فخرالدين وحسين رياض وصلاح ذوالفقار وفردوس محمد وأحمد مظهر وزهرة العلا وإخراج عزالدين ذوالفقار. هذا الفيلم يعتبر ملحمة للفلاح المصرى، الريس عبدالواحد خولى الجنينة لدى الباشا، هذا الرجل يتحدى الظلم والقهر يعلم ولديه حتى يصبح ضابطاً فى الجيش والشرطة ويصاب بالصم والشلل من شدة ظلم الباشا لكنه يظل صامداً حتى تتحقق كل آماله بمساعدة زوجته الفلاحة الأصيلة التى تتفانى فى خدمة زوجها وأولادها. حسين رياض فى هذا الفيلم جسد شخصية الفلاح بالجلباب الأزرق وهو يواجه أبشع أنواع الظلم والاستبداد.