لو أنك قُلتَ لمُسلِم إنك قرأتَ كِتابًا يضم أحاديث نبوية تُشير إلى أنَّ النبىَ وأصحابَه كانوا يشربون الخمر، وأنه صلى الله عليه وسلم قد همَّ بإلقاء نفسه «منتحرًا» من فوق قمة الجبل، لقال لك إنَّ هذا الكِتاب لِمجنون ويجب حرقَه.. وإنْ قُلتَ له إنَّ هذا الكتاب هو كتاب صحيح البخارى، لطالب بحرقِك أنت..!! وكِتابُ صحيح البخارى قد تعرض للنقد كثيرًا على مدار مِئات السنين، مِنْ علماء ومتخصصين، ألَّفوا كُتبًا فندت ما جاء به مِن أحاديث، رأوا أنها لا يليق أن تُنسب للرسول، ولا يليق أنْ يضمها صحيح البخارى.. والبخارى نفسه قد تعرَّض لانتقادات فى عصره؛ لأنه قد تغاضى عن آلاف الأحاديث لم يضمها فى كتابه ( الجامع الصحيح المُسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه )، والذى نُسَميه نحن اختصارًا (صحيح البخارى).. وهذا النقد وحتى الانتقادات لا يجب أنْ نصوِبَها للبخارى نفسه ولا لكتابه ذاتِه، ولا للاسلام، فنقد الكتاب أو انتقاد واضعه لا يحط أبدًا مِنْ قَدرِهِ، ولا ينتقِص مِن عظمتِه، ولا يُهِن الاسلام، فالاسلام دين أكبر بكثير مِن البخارى وكتابِه.. وأرى أنَّ أبا عبد الله بن أبى الحسن البخارى قد قام بثورة علمية حقيقية عندما أعدَّ كتابه، وثورته قد تحدث عنها بنفسه عندما قال : «صنعتُ الجامعَ مِنْ ستمائة ألفِ حديثٍ، فى ستِ عشرةَ سنة..».. فالرجل قد جمع 600 ألف حديث، اختار مِنها حوالى أربعة آلاف حديث فقط غير مكررة، جاءت فى كتابه، واستبعد أكثر من 590 ألف حديث مما جمع وحفظ، لم تنطبق عليها معاييره «العلمية» وقتها.. وهوعندما استبعد مئات الآلاف من الأحاديث قد راعى مايُناسِب عصرَه، بعد مرور قرنين على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.. وعندما تتصفح الآن كتاب صحيح البخارى قد تصدمك أحاديث وضعها البخارى فى صحيحه قبل ألف عام، وعدم وجودها فى الكتاب لا ينقصه ولا يحط من قيمته، كتلك التى تتحدث عن رمى القرد والقردة الزانية، أو التى تتحدث عن محاولة النبى صلى الله عليه وسلم إلقاء نفسه أكثر من مرة من فوق الجبل، لولا تدخل جبريل عليه السلام، أو تلك التى تصِف سيدنا حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم وهو سكران من شرب الخمر، أو تلك التى يُفهم مِنها استبعاد سور من القرآن، وتحريف بعض آياته، وغيرها مما لا يليق أن يضمها كتاب عظيم كصحيح البخارى أو صحيح مسلم.. وإذا اعتبرنا أنَّ البخارى شخص غير معصوم كغيره مِنَ العلماء يُصيب ويخطئ، وكتابه «الصحيح» ليس قرآنًا، وليس مقدسًا، وإذا اعتبرنا أنَّ ماقام به قبل ألف عام هو ثورة علمية حقيقية جاءت لنا بكتابه «الصحيح»، فإننا اليوم وبحق فى حاجة إلى ثورة علمية عصرية تُصَحِحَ «الصحيح»..