يواصل الرحالة البريطاني ليفيسون وود مسايرته مجرى نهر النيل من المنبع إلى المصب على الأراضي المصرية، في المرحلة الأخيرة التي بدأت في رواندا بوسط أفريقيا. حيث يوجد المنبع الأولي لهذا النهر العظيم، الذي ينافس نهر الأمازون - الواقع في أمريكا اللاتينية - على مكانة "أطول أنهار العالم"، ويعتبر المنبع الأولي لنهر النيل، وهو عين ماء صغيرة، يخرج منها دفق صغير مثل صنبور، "نهيرا بسيطا"، ترفده مصادر إضافية عدة على طول المسافة الممتدة عبر الكونغو، حتى تظهر بحيرة فيكتوريا العملاقة، وينطلق منها "النيل الزرق" شمالا عبر أوغندا، إلى جنوب السودان والسودان ثم مصر. وللمرة الأولى في تاريخ الاكتشافات الجغرافية، يتطرق أحد إلى أن منابع النيل ترجع إلى ما وراء بحيرة فيكتوريا، قبل أن يلتقي النيل الأزرق مع الرافد الكبيرالآخر "النيل الأبيض"، القادم من الهضبة الإثيوبية في شرق القارة الأفريقية. غير أن هذا الاكتشاف المهم جاء بالمصادفة - مثل العديد من الاكتشافات في تاريخ الإنسانية - عندما رفض ليفيسون وود قبول ما هو متعارف عليه، وقرر البحث - سيراً على قدميه وسط الأدغال والغابات - عن نقطة البداية الحقيقية للنهر العظيم. بعد ثمانية أشهر من مسايرة نهر النيل خطوة بخطوة – عبر أراضي رواندا وتنزانيا وأوغنداوجنوب السودان والسودان، عايش خلالها الأسود والنمور وأفراس النهر والتماسيح والعقارب - وصل الرحالة ليفيسون وود إلى حدود مصر الجنوبية، في المرحلة الأخيرة من رحلته على أرض دولة المصب، لتكتمل مسيرته "من رواندا إلى رشيد"، عند مصب الفرع الغربي من الدلتا عند البحر الأبيض المتوسط. يتلخص الهدف الأساسي من الرحلة – حسبما يقول ليفيسون وود - في "المعايشة المباشرة للشعوب التي تستوطن ضفاف نهر النيل، وتوفر مياهه مصدر حياتها، للتعرف على ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، واستكشاف ما يجمع بينها من سمات مشتركة جامعة، وما يتميز به كل منها من خصائص بارزة، يلفت النظر من بينها أن مصر هي مهد الحضارة الإنسانية بلا منازع". ويعبر عن سعادته من كرم الشعب المصري، بقوله "كثير من الناس - على الطريق - يدعونني إلى الراحة بعض الوقت، وتناول الشاي أو الغداء في منازلهم، وهذا أمر لم أتعود عليه في بلادي. الكثير من الناس هنا بسطاء، لكنهم أكثر كرما من الأغنياء، فهم يرحبون بي ويقتسمون معي القليل الموجود لديهم". ويستطرد قائلا "لا أستطيع أن أفهم لماذا لا يقبل السائحون الأجانب على زيارة مصر في الوقت الحاضر، لكنها الدعايات العدائية المغرضة. سأوضح الحقيقة للجميع، فأنا أعايش المصريين، وهم شعب كريم يحتفي بضيوفه". يقول ليفيسون وود "أنا لا أسير على مجرى النيل، لكنني أساير مياهه خطوة بخطوة، وهي تتحرك بجواري دفقة بدفقة". ويضيف قوله "استغرق إعدادي لهذه الرحلة ثلاث سنوات، عشت خلالها بين الكتب والوثائق، وكونت صورة في خيالي لنهر النيل والحياة على ضفافه، وعزز ذلك تشوقي للمغامرة، لكن الواقع على الأرض مفعم بالإثارة والحيوية، وصحح ذلك الكثير من التصورات الأولية لدي، وهذا أمر مهم بالنسبة لمهمتي". إلى جانب الترحيب الشعبي على طول الطريق من أبوسمبل وأسوان إلى الأقصر، استقبل اللواء مهندس محمد مصطفى - سكرتير عام محافظة أسوان - الرحالة ليفيسون وود، وأهداه ميدالية شعار المحافظة. وفي الأقصر احتفى المحافظ اللواء طارق سعد الدين بوصول الرحالة في معبد الأقصر، وسط جمع من الإعلاميين وأبناء المحافظة، وأهداه درع المحافظة. وحدثت مفاجأة عندما تقدم مرشد سياحي شاب من أبناء المحافظة، وأهدى الرحالة تمثالا للتمساح "سوبيك"، الذي قام بحماية "حورس" من عمه الشرير "سيت"، حسب رواية الأسطورة الفرعونية. وبينما يواصل ليفيسون وود مسيرته في اتجاه الشمال، فإنه يحظى برفقة المغامر والرحالة المصري محمود عزالدين، الذي لم يكتف بالتخرج في كلية الهندسة، وجمع خبرات نادرة عدة، زودته بقدرة على التعامل مع أي احتمال يمكن أن يواجهه. ولعل ذلك من أبرز الإسهامات المصرية في تسهيل مهمة الرحالة البريطاني، وتحقيق نجاحها. من جانبها قالت رشا العزايزي، المتحدث باسم وزارة السياحة، إن هذا الحدث الفريد يلقى رعاية من وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة في ظل الجهود الطموحة لاستغلال تلك الأحداث في الترويج السياحي لمصر وإلقاء الضوء على آثارنا ومعالمنا السياحية النادرة المجاورة لضفاف النيل، خصوصاً في الأقصروأسوان كما يلقي مزيداً من الضوء على الرحلات النيلية في مصر. يذكر أن وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة قامتا برعاية الفيلم الوثائقي الذي تم تصويره لرحلة ليفيسون وود (مسايرة مجرى نهر النيل) بالتنسيق مع القناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني، وتم تدشين موقع الكتروني لهذا الغرض بعنوان: http://www.channel4.com/programmes/walking-the-nile