ماذا يمكن أن يحدث اذا انهار النظام فى دولة ما وأصبحت مؤسساتها مجرد هياكل بدون سلطات؟. إذا أردت ان تعرف إجابة هذا السؤال انظر الى ليبيا التى تمزقت أوصالها بعد انهيار نظام القذافى وأضحت قنبلة موقوتة يمكنها الانفجار فى أى لحظة، فأنت امام دولة لم تعد دولة بعد ان وقعت تحت سيطرة أكثر من ألف ميليشيا مسلحة بل ان البعض يقدرها بنحو 1700 جماعة. تتركز هذه الجماعات فى المنطقة الشرقية والغربية من ليبيا، ومجموعة أخرى فى الجنوب، وتنتشر فى مدينة درنة إحدى أكثر الجماعات تشددا وهى كتيبة «عقبة بن نافع»، بالإضافة إلى كتيبة «أنصار الشريعة» والتى لها وجود أيضا فى بنغازى وتقدر أعداد أفرادها بالمئات. وشارك أنصار الشريعة فى الثورة كأفراد ثم انتظموا فى جماعة بعد انتهاء الثورة، وكان معظم قادتها سجناء فى سجن بوسليم لسنوات طويلة فى عهد القذافي. ويرفض هؤلاء العملية الديمقراطية والانتخابات برمتها ولا يؤمنون بها، ولا يعترفون بالدولة والحكومة الحالية، ويدعون إلى إقامة «دولة إسلامية» وفق رؤيتهم. ومن أبرز مواقفهم وأنشطتهم أنهم حصلوا خلال الثورة على كم كبير مما يسمونه «الغنائم» من أسلحة وسيارات وأموال وغيرها تركتها ميليشيات القذافى ، وبعد سقوط القذافى قاموا بتجنيد عدد من الشباب حديثى السن غير المتعلمين. ومن المواقف التى تحسب لهم تأمين مستشفى الجلاء فى بنغازى فى ظل الانفلات الأمنى بعد الثورة، ولكن أصابع الاتهام تشير إلى تورطهم فى الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى خلال احتجاجات ضد الفيلم «المسيء»، وهو ما ينفونه بشكل قاطع. من جهة أخرى، يشعر أهالى درنة وبنغازى بالامتنان لأفراد هذه الكتائب إذ إنهم يقومون بحفظ الأمن وتنظيف المدينة والتبرع بالدم. وتؤكد مصادر ليبية ان «بعض الكتائب وبعلم من الحكومة الليبية الانتقالية أقامت معسكرات تدريبية فى الجنوب ومن جنسيات مختلفة كالتونسية والجزائرية والليبية أيضا». وعلى الرغم من اختلاف أسماء وتوجهات وأدوار هذه الميليشيات فإنه يؤخذ على الحكومة الليبية ضعفها وعدم قدرتها على توحيد هذه الجماعة فى كيان واحد أو فرض سيطرتها عليها نتيجة لضعف قوتها العسكرية والأمنية ونقص السلاح ما يهدد بانزلاق البلاد نحو مزيد من التفكك وعدم الاستقرار. وتشير العديد من التقارير الأجنبية والعربية إلى تعاظم دور الميليشيات فى ليبيا فى تهريب السلاح عبر الحدود مع مصر والجزائر وإلى العديد من البلاد العربية، ومن المعلوم أن انتشار الأسلحة بكثافة فى ليبيا أدى إلى التجارة فى هذه الأسلحة. بالاضافة الى ما سبق فإن الميليشيا المسلحة أصبحت تسيطر على قطاع النفط الحيوى فى ليبيا. وأكد تقرير لمجلة «فوربس» الاقتصادية الأمريكية تناول أوضاع النفط فى ليبيا منذ انهيار حكومة القذافي، أن وضع النفط فى ليبيا لم يصل إلى ما كان عليه الوضع فى عصر القذافى 1.6 مليون برميل يوميا، وأن الميليشيات والجماعات العاملة تسيطر على النفط، وذلك للضغط على الحكومة فى اتخاذ القرارات التى ترتضيها فقط وتكون بمنزلة الحاكم الفعلي. أبرز الميليشيات المسلحة فى ليبيا: درع ليبيا: وهو تحالف ميليشيات من مدن ساحلية من شرق وغرب طرابلس وتحديدا من زاوية فى الغرب ومصراته فى الشرق، وكان المؤتمر الوطنى العام قد قام بنقل درع ليبيا فى أغسطس إلى طرابلس لتعزيز الأمن. وتعتبر درع ليبيا نفسها بمنزلة جيش احتياطي، بينما يرى معارضوها أن لها توجها إسلاميا، بينما يرى مؤيدوها أنها نواة لجيش جديد. وتندرج تحت هذا الدرع أيضا غرفة عمليات ثوار ليبيا التى أعلنت عن مسئوليتها عن احتجاز رئيس الوزراء على زيدان لفترة قصيرة فى أكتوبر من هذا العام. - ميليشيات وكتائب مصراتة: وهى تملك الكثير من العتاد العسكرى مما يجعلها تتفوق على القوة العسكرية لحكومة طرابلس وتنتشر ترسانتها العسكرية فى مناطق واقعة على مشارف مدينة مصراته، وينسب إليها أحداث منطقة «غرغور» فى طرابلس والتى أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى. - اللجنة الأمنية العليا: وهى تحظى بنفوذ فى شرق ليبيا وتعمل كقوة متحالفة مع درع ليبيا فى مواجهة ميليشيات «الزنتان» القبلية. - ميليشيات «الزنتان»: وهى ميليشيات قبلية تنحدر من منطقة «الزنتان» الصحراوية، ووجهت لها اتهامات بارتكاب أسوأ التجاوزات التى شهدتها ليبيا مؤخرا من قطع الطرق وحوادث الاختطاف. ويقود قواتها اللواء القعقاع، وتضم بعض قوات الرئيس السابق معمر القذافى التى تدربت فى روسيا، وكانت قد سيطرت فى وقت سابق من العام على حقلين بترول فى الغرب. - جماعات سلفية: وتضم أعضاء سابقين من الجماعات الجهادية فى ليبيا ومن بينها أعضاء فى المؤتمر الوطني، وكان بعض مقاتليها قد شاركوا فى حرب العراق وأفغانستان بين صفوف القاعدة. ويلقى باللوم على أحد فصائلها وهى جماعة أنصار الشريعة فى الهجوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازى العام الماضى والذى تمخض عن مقتل القنصل الأمريكى حين ذلك. - مؤيدو إقامة نظام فيدرالى فى برقة: وتدعو هذه الميليشيات إلى قدر أكبر من الحكم الذاتى فى إقليم برقة فى الشرق، ويطالبون بنصيب أكبر من مطالب الثورة، وأعلنوا حكومة برقة فى نوفمبر 2013 وضمت 20 وزيرا بهدف إدارة الإقليم. - لواء شهداء 17 فبراير: ويمثل أكبر ميليشيات شرق ليبيا ويتألف من 12 كتيبة على الأقل ويملك مجموعة كبيرة من الأسلحة ومراكز التدريب ويتألف ما يتراوح ما بين 1500 و3500 فرد، ونفذت العديد من المهام الأمنية فى شرق وجنوب ليبيا.