صحيح أن هناك مثلا يقول (رب ضارة نافعة) وصحيح أيضا انه من الحكمة والفطنة أن نتعلم من الأضرار التي تصيبنا ونحولها إلي دروس نستفيد منها ونتعظ بها ولكن أليس أفضل من هذا وذاك أن نتدارك تلك الأضرار ونتجنبها قبل وقوعها فمهما كان النفع ومهما كانت قيمة الدرس والموعظة فإن هناك بالقطع خسارة وندما. أقول ذلك بمناسبة ما نشر مؤخرا عن عزم الحكومة وضع الخطط لإعادة تنظيم وتخطيط المناطق العشوائية التي قامت علي أطراف القاهرة وأخذت تمتد وتتفرع مثل أذرع الأخطبوط علي مدي سنين وسنين حتي أصبحت (إمبراطوريات) قائمة بذاتها لا يعرف مداخلها ودروبها إلا سكانها. هؤلاء السكان الذين بدوا وكأنهم قد تعايشوا مع (العشوائية) التي تحيط بهم من كل جانب فلا مرافق ولا طرق ولا خدمات ولا أمن ولا أي شيء من مقومات الحياة السوية للمواطن. وكان من الطبيعي أن تفرخ هذه (العشوائية) أنماطا من البشر غير سوية وان تصبح أوكارا للخفافيش البشرية ومخابئ للمنحرفين الذين بسطوا سطوتهم وسيطرتهم علي الأهالي مستغلين عدم معرفة ولاة الأمور بما يجري في تلك المناطق غير الواردة علي خريطة العمران. ثم كان ما كان من اشتداد أعمال الإرهاب التي يقوم بها (أمراء) تلك الإمبراطوريات مما دفع الحكومة إلي حتمية اقتحامها ووضعها تحت سيطرة الأمن ولكن كان ذلك متعذرا لأسباب تبدو غريبة وبعيدة عن منطق العصر الذي نحيا فيه. كانت هذه الأسباب تكمن في وجود كميات هائلة من (الزبالة) تسد الطرق وتجعل من المستحيل علي سيارة شرطة الوصول إليها. هنا فقط أدرك المسئولون خطورة هذا الوضع وسارعوا لحمل المخلفات والقمامة التي بلغت أطنانا وأطنانا. وبدأ التفكير والتخطيط لإعادة تنظيم الشوارع وفتح الطرق ومد المنطقة بالمرافق والخدمات. فهل كان من الضروري أن ننتظر حتي يحدث ما حدث من مواجهات دامية سقط فيها الجرحي وراح ضحيتها شهداء لكي يتنبه المسئولون ويهتموا بأحوال تلك المناطق التي يعيش فيها ناس هم أولا وأخيرا مواطنون مصريون لهم علي الدولة حقوق؟ إن إمبابة والمنيرة وعين شمس وغيرها من الأسماء ليست هي فقط التي تمثل (العشوائية) في مصر.. إن العشوائية حولنا في كثير من الأمور التي تمس صميم وجودنا كشعب مثل الكثير من السياسات التي توضع عشوائيا ثم لا تلبث أن تظهر أضرارها ومساوئها فتنهار فوق رؤوسنا وتنهار معها آمالنا.