مجموعة من المتغيرات يشهدها المجتمع العربي، جعلت المواطن المسلم يحتار وسط فرق وجماعات وتيارات منها ما يدعو للتشدد والغلو، بل وقد يصل إلى حد التطرف ، ومنها ما يدعو إلى التساهل والتفريط، ومنها ما يحاول أن يوازن بين هذا وذلك. يحدث هذا في الوقت الذي ندرك فيه جميعا أن الدين الإسلامي الحنيف هو دين الوسطية والاعتدال ، والله تعالى يقول في كتابه الحكيم: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"مما يعنى أن الإسلام هو دين الوسطية ، تلك الوسطية التي تمثل منهج للحياة السوية التي أرادها لنا رب العزة والذي يعلم ما هو الأصلح والأنفع لعباده، فالإسلام منهجه هو المنهاج الوسط الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط ولا تقصير، ولا غلو أوتطرف أيا كانت أسبابه ودواعيه وهى كذلك مناهج النبوة المطهرة ، ولكن بكل أسف هذا المنهج البعض ابتعد عنه والبعض الآخر غالى فيه و تشدد تحت مسمى المحافظة على تعاليم الإسلام ، والإسلام من كل هؤلاء براء... طرحنا فى السطور التالية قضية التساهل والتشدد وكيف يواجه المسلم كلا التيارين المرفوضين مع المنتج السوري نور الحراكي في سياق السطور التالية ؟ يوضح الحراكي، أن ما ظهر الان على الساحة من مناهج وأفكار هدامة لا تمت للإسلام بصلة ، وإنما يلصقها أصحابها زورا وبهتانا بالإسلام ، سعيا لتحقيق مصالح وأغراض وأجندات خاصة بهم، ويقول: نحن الآن نجد من تشدد في أمور الدين إلي أن يصل بتشدده إلى حد إخراج الدين عن إطاره الصحيح ، وفى المقابل هناك أيضا من يطالبنا بالتحلل من مبادئ الدين ، و يحثنا على تجنيب الدين وإبعاده عن أمور حياتنا ، وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب على عقيدة الناس فهناك ألان فئة متساهلة تبحث عن من يشرع لها هذا التساهل ومن ثم سرعان ما تؤيد أصحاب هذا التيار ، وهناك من أصبح ناقم على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وارتمى في أحضان أصحاب الفكر المتشدد ، وبين هؤلاء وهؤلاء قد تذوب وسطية الإسلام وتمسخ هوية الشخصية الإسلامية ، ويبتعد بالمسلمين عن شريعتهم ، فكما هو معلوم أن الوسطية هي سمة الشريعة بنص القرآن فهذه الشريعة متسمة بأنها شريعة السماحة ورفع الحرج فهي تحقق المقاصد وتوافق الفطرة فالإسلام وسط بين مطالب النفس الدنيوية ومطالبها الأخروية وسط في قضايا الإيمان والأخلاق والعبادات والعلاقات الاجتماعية وسط في نظام المال والإدارة وفي مجالات التربية والدعوة إلى الله وسط في الالتزام الديني. قال سبحانه وتعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً". ويقول الحراكي : انطلاقاً من ذلك فإن حياة الناس لا تستقيم إلا من خلال المنهج الوسط المبني على ما جاء به الإسلام فهو منهج موافق للشرع ثم موافق للعقل السليم منهج يتسم بالتوازن والاعتدال..والوسطية تعني عدم التطرف وعدم التشدد في كل مناحي الحياة فقد أباح الإسلام الرخص في حالة المرض بالنسبة للصائم وكذا المسافر ورفع الحرج عن الأعرج والأعمى ولم يكلف الإنسان إلا بما يطيق، وتشريعات الإسلام ترمي للاعتدال في كل شيء في النفقات في اللباس في الأكل بل وحتى في العبادات، إذ الإسلام يحافظ على نفس الإنسان أولا قبل كل شيء آخر. و يضيف د. شامة: يجب ان ندرك أن وسطية الإسلام واعتداله جعلته سهل التقبل والتطبيق فالمتأمل لشريعة الإسلام سوف يلاحظ سهولة تشريعاته وكذا سهولة تطبيقها، فالمسلم ينبغي أن يصلي لربه في أي مكان، ويمكنه أن يتجاوز ما لا يستطيع القيام به، ورسول الله "صلى الله عليه وسلم "كان يقول لصحابته أنتم أدرى بأمور دنياكم..كماقال "صلى الله عليه وسلم": "إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً". فمنهاج الإسلام مبني على اليسر ورفع الحرج، قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقال سبحانه: "ما جعل عليكم في الدين من حرج"، وكان "صلى الله عليه وسلم" يترك بعض الأفعال خشية المشقة على أمته ، وكان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ولما بعث "صلى الله عليه وسلم "معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما. "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا".ومن أقواله المشهورة "صلى الله عليه وسلم": "إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". شقاق وتنافر وقتال ويضيف الحراكي أن ما نشاهده على الساحة من ظهور فئات مختلفة بانتماءات متعددة يمينا ويسارا أو شمالا وجنوبا ، وما إلى ذلك من أمور أعتقد أنها مرتبة ومقصود بها تشتيت الشعب المصري وصرفه عن الثورة وعن نتائجها ، بل أني أسيء الظن أكثر و أعتقد أن هذه أمور ترتب وتدبر للمستقبل بقصد إحداث صداما بين فئات المسلمين، حيث أنه إذ استمر الأمر على ما هو عليه فسينتج عن ما نشاهده أثره في إحداث شقاق وتنافر وقتال ومما لا شك فيه أن هذه الفئات التي تعددت وكثرت لابد أنها ستميل أكثر إلي التطرف والأعمال الإجرامية، فلقد رأينا من يقوم بهدم الأضرحة، ومن يقوم بقطع إذن أحد المصريين ، ووجدنا من يقف ويقطع الطريق عمدا ويحاسب الناس في تشدد وغلو ، ووجدنا على الجانب الأخر من ينادى بعزل الدين عن حياتنا .. ولابد أن تتطور بعض هذه الفئات أو تلك و تسلح نفسها وهنا سيحدث ما لا نريده من اقتتال بين الناس وهذه هي النتيجة المقصودة من هذا ظهور تلك الجماعات والفرق و التي نشطت بقوة ألان في الشارع العربي فالغرض هو ذوبان المسلمين و إلا فكيف نفسر هذا الظهور مثلا الغير مسبوق لما يسمي بالسلفية مع أنهم لم يكونوا على هذا النحو من الظهور والنشاط قبل 25 يناير وغيرهم من الجماعات والفرق ؟..، ومما يؤسف له أننا لا نبدي حراكا إيذاء ما يحدث ، نعم نري تحرك قد بدأ هذه الأيام من الأزهر باعتباره ممثلا لأصحاب الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، والحقيقية أن تحرك المؤسسات الاسلامية كفيل بجعل كل الأدعياء سواء من المتشددين أو المتساهلين يهربون ويدخلون جحورهم، ولن يستطيعوا مقاومة الفكر الصحيح للأزهر البعيد عن الغلو وعن التهاون.