تحتم صناعة المستقبل ضرورة الاهتمام بالطفل، فأخطر ما يهدد مستقبل العالم العربي هو عشوائية التعامل مع الطفل، وهذا يهدد الهوية العربية بالفناء، وتفوق تلك الخطورة من حيث الأثر خطورة قصف عالمنا العربي بالسلاح النووي، فما فشلت الجيوش المعادية فيه يمكن أن يتحقق بسبب القصور في النظم التربوية، فالطفل العربي يعاني من: عقم البرامج التربوية: وتصل قمة الخلل التربوي في مرحلة رياض الأطفال بتعليم الطفل لغات أجنبية في مرحلة الطفولة المبكرة، والازدواج في تعليم اللغة في هذه المرحلة تكون على حساب اللغة الأم، ويعد عالم اللغة الإنجليزي مايكل وست من أول المناهضين لتعليم اللغات الأجنبية في سن مبكرة, وقام الزعيم سعد زغلول بتعريب المناهج المصرية أثناء توليه وزراة المعارف في عهد الاحتلال البريطاني لمصر. التأثير السلبي للدراما : يقع الطفل العربي تحت طائلة الدراما الفاسدة ويتم تشكيل الوجدان والعقل بعادات وسلوكيات لا تناسب التقاليد العربية وذلك لأن أكثر من خمسين بالمائة من دراما وبرامج الأطفال مستورد، والبرامج المحلية معظمها غير متخصص وسطحية، وتؤثر سينما الكبار أيضا علي الطفل خاصة في مرحلة الطفولة المتأخرة (12:9) سنة من خلال غرس مفاهيم إباحية علاوة علي تصدير ثقافة العنف، وقد نشرت منظمة (الائتلاف الدولي ضد العنف التلفزيوني) بحثاً استغرق إجراؤه (22) عاماً، أظهر الأثر التراكمي للتلفزيون الذي يمتد حتى عشرين سنة لتظهر نتائجه. وخلص البحث إلي أن هناك علاقة مباشرة بين أفلام العنف التلفزيوني في الستينيات، وارتفاع الجريمة في السبعينيات والثمانينيات، وقالت المنظمة إن ما يتراوح بين (25% و50%) من أعمال العنف في سائر أنحاء العالم سببها مشاهد العنف في التلفزيون والسينما. التفكك الأسرى : ويشكل التفكك عنصرا مهماً في التأثير علي شخصية الطفل العربي نتيجة الآثار النفسية والاجتماعية علي مستقبل الطفل وفي إحصائية نشرت عام 2007 كانت نسب الطلاق في العالم العربي في نمو مستمر. أمراض الفقر والتخمة: والتي تصيب شريحة كبري من الأطفال العرب، فهناك سوء التغذية وذلك يسبب نحو 35% من عبء المرض الذي ينوء به الأطفال دون سن الخامسة، وتتضح تلك الحالة بصورة أكثر وضوحاً في السودان حيث تشير إحصائيات وزارة الصحة بولاية الخرطوم الرسمية إلي أن أمراض سوء التغذية تتصدر أسباب الوفيات من بين 8 أمراض. وبمقارنة الطفل العربي بأطفال الدول الأخرى نجد الطفل في ألمانيا: يلقي الطفل اهتماماً كبيراً يتمثل في دعم الأسرة، وتمنح الدولة أحد الوالدين منحة تفرغ عام بأجر 67% من آخر دخل للمتفرغ، ولا يقل هذا التعويض عن 300 يورو، ولا يزيد علي 1800 يورو شهريا. ويمكن تمديدها، وتحصل الأسرة علي دعم عائلي إضافي يقدر بنحو 184 يورو شهريا للمولود الأول والثاني، و190يورو للثالث، و215 يورو عن كل طفل آخر حتي سن الثامنة عشرة. ومن شأن هذا الدعم تسهيل عملية التوفيق بين العائلة والعمل والمستقبل المهني بالنسبة للآباء والأمهات على السواء، وبلغ عدد الأطفال بدور الحضانات في ألمانيا عام 2013 نحو 750 ألف طفل. وفي اليابان: تحوي المنازل الكتب التعليمية الموجهة للأطفال للأعمار دون سن المدرسة بالإضافة إلى البرامج التلفزيونية التعليمية المخصصة للأطفال وغالبا ما ينصب التعليم المنزلي على تعليم الآداب والسلوك الاجتماعي المناسب واللعب المنظم، بالإضافة إلى المهارات الأساسية في قراءة الحروف والأرقام، ويتكامل المنزل مع دور رياض الأطفال قبل المدرسة في إكساب الطفل المهارات الاجتماعية الأساسية، والتعرف على البيئة والعلاقات الإنسانية، وتفوق نسبة الأطفال الملتحقين بالمرحلة الابتدائية في اليابان نسبة 99%. ولا تتعدى المدارس الخاصة 1% والأطفال في إسرائيل: يشكلون نحو 33% من عدد السكان، وتوفّر الدولة لهم نظامًا متقدّماً للغاية من الخدمات الصحّية والطبّية، فمنذ فترات الحمل الأولي تتلقي الأم خدمات الصحّية طوال فترة حملها، وتتولّى الحكومة إدارة سلسلة من العيادات لرعاية الأمومة والطفولة، وبفضل تلك الرعاية أصبحت نسبة وفيات الأطفال في إسرائيل أدنى أو تعادل النسبة ذاتها في الدول المتقدّمة. أضف إلي ذلك تطور نظم التربية التي توفّر بموجبه الدولة تربية عامّة مجانية للأطفال بين الخامسة والثامنة عشرة من العمر. وتتطلب المشكلة علي صعيدنا العربي تشكيل لجان متخصصة لوضع برامج تربوية وإعلامية وفنية واقتصادية لإنقاذ مستقبل وهوية العالم العربي.