سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز، من أقرب أمراء البيت الملكي السعودي حباً لمصر، وللمصريين.. بل نقولها: عاشق لمصر.. ليس فقط استجابة لوصاية الوالد العظيم لأنجاله بأن يستوصوا بمصر خيراً، ولكن لأنه هو كذلك بالفعل.. وهو أكثر أمراء البيت المالك السعودي زهداً في السلطة. وذلك هو يعشق أن يقضي أيام العيد، بين أهله في مصر.. واختار منطقة الغردقة علي ساحل البحر الأحمر، ليبني فيها مقراً وقصراً، يمضي فيه ما شاء من أيام وليال علي أرض مصر.. ولكن ليس بعيداً عن أرضه وأرض أجداده.. أرض المملكة العربية السعودية.. وكأنه- بهذا الموقع- جمع بين الحبيبين إلي قلبه، أرض السعودية، علي الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر.. وأرض مصر، علي الشاطئ الغربي لهذا البحر. وجاءني صوته عبر التليفون- من الغردقة- ليهنئ بالعيد.. والأهم ليعلق علي ما كتبته هنا حول المياه الجوفية واستخدامنا لها، وهو كلام يكثر هذه الأيام.. وقلت لسمو الأمير طلال: ان البحر الأحمر سعيد هذه الأيام بشاطئيه: الشرقي.. السعودي.. والغربي.. المصري باختيارك الغردقة لقضاء اجازة العيد.. بل وأضفت ان البحر الأحمر منور بكم يا سمو الأمير.. وكعادته دخل مباشرة في الموضوع. قال محذراً من الإسراف في استخدام المياه الجوفية.. وأن الاستخدام السيئ لهذه المياه، يمكن أن يفقدنا ثروة هائلة.. ويضيف: علينا ألا نفرح من كميات المياه المتدفقة- في الصحراء الغربية المصرية- حيث الواحات والأراضي الواعدة.. بحثاً عن الطعام. وركز سموه علي أهمية المياه والزراعة معاً للوطن العربي، وبالمناسبة الأمير طلال مهتم للغاية بالتنمية في الوطن العربي سواء التنمية البشرية.. وله هنا أكثر من مجال يهتم به في المنطقة العربية وكذلك في التعليم ومحو الأمية.. وهل ننسي ما يمكن أن نطلق عليه الجامعة المفتوحة لتحقيق هذه التنمية وتلك.. وأيضاً في مجال الطفولة العربية. هنا يري الأمير طلال أهمية تقنين استخدامنا للمياه الجوفية.. وانه حتي لا نفقد هذه الثروة- التي هي الحياة نفسها- لابد من وضع قوانين تنظم هذه الاستخدامات، للزراعة أو لغيرها. خصوصاً وأن معظم هذه المياه غير متجدد وحتي لا نفقدها. ولو اقتضي الأمر وضع عدادات عند كل بئر لتحديد الحصة التي يحصل عليها كل مستفيد. وذكرنا الأمير الأكثر ثقافة بين الأمراء العرب، بالمشروع السعودي لاستخدام المياه الجوفية- في وديان المملكة- لزراعة مساحات هائلة من هذه الأراضي اعتماداً علي المياه الجوفية ورغم أهمية وإنسانية هذا المشروع لأن المملكة قدمت معظم هذا الانتاج القممي للأشقاء والأصدقاء إلا أن الاستخدام الجائر لهذا المخزون الجوفي.. أدي في النهاية إلي استنزاف المخزون بعد سنوات قليلة.. بل وأثر الاستخدام غير المقنن لهذه المياه أثر بالسلب أيضاً علي الآبار المستخدمة لتوفير مياه الشرب.. وكان هذا هو قمة المأساة. من هنا يشدد الأمير طلال علي ضرورة تقنين هذه الاستخدامات أي بوضع القوانين المنظمة لهذه الاستخدامات، حماية لما تملك مصر منها. وتذكرت هنا مشروعاً سعودياً عملاقاً لتوفير المياه الحلوة لسكان المملكة وكان ذلك في التسعينيات. إذ فكر أحد الأمراء السعوديين في سحب جبل جليدي من المحيط المتجمد الجنوبي- بعد تغليفه بمادة تقلل من ذوبانه وللمحافظة علي ما فيه من مياه شديدة النقاوة- وجره بقاطرات بحرية عملاقة.. وسحبه إلي البحر الأحمر وإيقافه أمام مدينة جدة، ثم تقطيعه ونقل مياهه الحلوة إلي الأراضي السعودية، غرب المملكة. وكانت هناك مشكلتان أمام هذه الفكرة، ان الجبل الجليدي سيعبر منطقة حارة، هي المحيط الهندي.. وهذا يعرضه للذوبان، رغم كل أفكار المحافظة عليه.. والثانية ان حجم الجبل يمثل عقبة في دخول البحر الأحمر من عند باب المندب.. وهل تجري عملية التقطيع أمام مضيق باب المندب.. أو ما هو الحل. المهم لم تنجح الفكرة.. ولكنها أكدت أهمية البحث عن أي مصدر للمياه لسكان المملكة.. لذلك لجأت السلطات إلي مشروعات تحلية مياه البحر سواء علي شاطئها الشرقي علي الخليج العربي لتغذية المنطقة الشرقية وحتي العاصمة الرياض، أو علي شاطئها الغربي علي البحر الأحمر عند جدة وبذلك أصبحت المملكة: هي أكبر دولة منتجة للمياه الحلوة.. من مياه البحار. المهم ان الأمير طلال كعادته دائماً مشغول بهموم الوطن العربي.. ومشاكل المواطن العربي، وفي مقدمتها الماء والغذاء.. والعلم والثقافة.. وما اتصاله إلا خوف علي رصيد المياه الحلوة في مصر.. حتي لا نسيء استخدامها. ولذلك علينا أن نعطي هذه القضية اهتمامنا.. بحمايتها بالقوانين حتي لا نفقد مصدر الحياة.. مصدر النماء. شكراً سمو الأمير.