العيد فرحة - تجمع شمل قريب وبعيد، جملة عزيزة على قلوبنا جميعا، من أغنية فى الثمانينيات تعودت على سماعها وأنا طفلة، ولم أنسها حتى الآن من عذوبة معانيها التى تكاد تختفى بعد عشر سنوات قادمة على الأكثر، أو سيقتصر إحساسنا بجو وطقوس الأعياد فى مصر على أجيال الأربعينيات فأكثر. لقد كان العيد فى مصر زهوته والجو السعيد الذى يضفيه على الحياة خلال الأيام القليلة لفترة كل عيد، كانت الناس تتزاور و تهادى بعضها البعض بالكحك الذى كان مصنوعا فى البيوت بشكل جماعى أو حتى مشترى من الأسواق، أو اتصال الناس ببعضها البعض عبر الهاتف، وصدقت معانى الأغنية فى أن العيد كان يجمع كل قريب وبعيد. والأكثر من ذلك كانت مصر والدول العربية فى شمال إفريقيا وبلاد الشام يشتهرون بمظاهر الفرح بالمناسبات الدينية، والتى تتمثل فى انتشار الزينة فى الحوارى والأزقة والميادين العامة بداية من رمضان حتى نهاية عيد الفطر، ورواج الأسواق وانتعاشها بشهادة أصحاب المحلات، حيث كانت الناس وحتى الفقراء يخرجون لشراء الملابس الجديدة لأولادهم لإضفاء روح البهجة والسعادة بقدوم العيد، ويقوم الأطفال بدورهم بالافتخار بملابسهم الجديدة أمام أقرانهم من أولاد الجيران والأقارب والأصدقاء. وكان هناك أيضا أغنية مصرية أخرى للسيدة أم كلثوم تقول «يا ليلة العيد أنستينا» ومعنى كلمة الأنس هى الألفة المصحوبة بالبهجة والفرحة، وما زال كثير من الأسر تعتزم الدخول أى الزواج فى عيد الفطر وكان الأب المصرى له جملة شهيرة «يبقا على العيد يابنى إن شاء الله»، وهى جملة يقولها أبو العروسة للعريس عند لقائهما ببعض لتحديد ميعاد الزواج، وفعلا كان العيد كله أنس ودفء، حتى إن كثيراً من الأقارب كانت لا تتزاور إلا من العيد للعيد. ويؤكد الأستاذ مجدى إمام 63 سنة و كيل وزارة سابق فكرة غياب روح العيد وصلة الرحم مضيفا أن ذلك يعود إلى غياب الناس عن روح الدين وتمسكهم بأداء الشعائر فقط مثل الطعام والشراب، دون النظر إلى صلة الرحم بأنها إحياء أساسى لعلاقة العبد بربه. أما العاملون فى مهنة صناعة وبيع الملابس الجديدة فكان لهم رأى مهم، حيث تقول مروة رمضان 18 سنة زمان كنا حريصين على القيام فى الفجر لتحضير أنفسنا لمظاهر العيد حيث كنا نستعد للصلاة فى المسجد مع جيراننا وأصدقائنا، وكنا نتواعد قبل العيد بأيام قليلة على أماكن التنزه المتوقعة أثناء العيد، وتضيف أن هذه المظاهر تكاد تختفى الآن حيث استبدلناها برسائل ومعايدات الفيس بوك فى جملة «كل سنة و أنت طيب». أما الأستاذ أحمد طه 35 سنة و يعمل «ترزى» يؤكد أن أعداد الناس التى كانت تحرص على شراء الملابس الجديدة قلت منذ ثلاث سنوات، وهو أمر مرتبط بسوء الأحوال الاقتصادية الآن، ويرى أحمد أن المهنيين وأولاد البلد ما زالوا حريصين على صلة الرحم والتزاور فى الأعياد على أسوأ تقدير. ولم يقتصر استخدام وسائل الاتصال المعاصرة على أداء الواجبات الاجتماعية على الأجيال الجديدة بل انضم إليهم جيل الوسط وفي ذلك تقول مروة ياسين 32 سنة مرشدة سياحية إن إرسال رسالة المعايدة لكل معارفنا وأصدقائنا بلمسة واحدة على أزرار المحمول تختصر الوقت والمجهود من معايدة كل واحد على حدة. ويضيف أحمد إبراهيم 20 سنة طالب أن خاصية «الواتس أب» تستحوذ على كل وقت الشباب ويشير إلى عدم أدائه لواجباته الاجتماعية فى الأعياد بقوله «الزمن اتغير». ولم أقابل فى هذه الجولة الميدانية من الأجيال الحديثة سوى محمد طارق 21 سنة ويسكن فى شبرا الذى أثلج صدرى و أكد لى أنه ما زال حريصا على صلة رحمه وخصوصا بعد ما كبر وعرف «أنه واجب عليه» حسب تعبيره، وقال إن عائلته ما زالت حريصة على التجمع فى أحد بيوتهم فى أول يوم للعيد. مجرد تواصل افتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي سبقه الاكتفاء بالمعايدة من خلال التليفون الأرضي بعد ظهوره وهو ما ما قد يعني اختفاء معنى العديد نفسه مع الزمن واختصاره في الإجازة من العمل الأمر الذي ينبغي العمل على تجنبه ليبقى للعيد حلاوته ودوره في تعزيز التلاحم بين الأسر وأبناء المجتمع ككل.