ليس لدىَ حسابات ولا أكتب لأرضى أحدا غير ضميرى، ووطنى حسبما أظن وأعتقد، لذا لا أتحرج أن أُبدى استيائى من أقلام تحتفى بالظلم، وصحف تحتفل بالاستبداد مثلما كان هو الشأن فى الاسبوع الماضى. قلت وأقول ولن أملَّ القول ما حييت إن حركة 23 يوليو أوقفت حركة التنمية وشوهت الشخصية المصرية وشطبت مبادئ الكرامة الانسانية بظلمها وجهلها وعدوانها على الحريات وكرسّت لشرعية وهمية أطلقت عليها «شرعية الثورة». ماذا كان يمكن لمصر أن تكون لو سارت فى طريقها الطبيعى دون اشتراكية أو تأميم أو حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟.. ما وضع الاقتصاد الوطنى لو ظل مُتحررا دون دعم، واتكالية، ومصادرة لأى مشروع طامح وناجح؟ من نكسة إلى أخرى قادنا شباب ساذجون، ومن سقوط إلى انحدار دٌفعت مصر دفعاً فى سبيل تحقيق أحلام فردية لشخصية مريضة بجنون العظمة، ما كان رجال يوليو أبطالا وما كانوا إصلاحيين وإنما انقلابيون طلبوا السلطة والنفوذ، ثُم تقاتلوا عليها وفى آخر المطاف كان الوطن هو الضحية. من هُنا أندهش من اصرار بعض مُثقفينا على رسم الصفحات تمجيدا لانقلاب يوليو ومد جسور تماثل بينه وبين 30 يونية. فى الصحف القومية سُكبت دوارق التعظيم فى يوليو وكأنهم اكتشفوها لأول مرة ، وشبّه أحد الأدباء الكبار «السيسى» ب «ناصر» فى وطنيته وعظمته وتجسيده لآمال الناس مُبشرا بأنه سيحقق ما حقق الزعيم الراحل. إن مثل هذا التشبيه يصيبنا بالقلق ويثير لدينا مخاوف التأليه، ويُجدد ذكرى الأيام السوداء. «يفتح الله» يا سيدى لو كان السيسى كناصر. إن الذين يُشبهون الرئيس عبدالفتاح السيسى بجمال عبدالناصر إنما يسعون إلى تجميل ديكتاتور طاغ ما قدم لمصر سوى كلام، وما ترك للناس سوى شعارات جوفاء. من يراجع تاريخ «ناصر» بتعقل وموضوعية يُذهل من حجم التردى وقدر الارتداد. لم يقدم الرجل لمصر واقعاً وإنما حُلماً. لم يحقق لها تقدماً عملياً وإنما ريادة وهمية. لم يصنع انتصاراً حقيقياً، وإنما تراجعاً وتدهوراً ما زلنا ندفع ثمنه حتى اليوم. لم يمنحنا كبرياء فعلياً وإنما مجرد كلمات رنانة ترجمها الشاعر نزار قبانى فى قصيدته الشهيرة «هوامش على دفتر النكسة» بوصفها «العنتريات التى ما قتلت ذبابة». كان عبدالناصر يرى أنه الوصى على هذه الأمة، ونحن لا نريد أوصياء. وكان الرجل يعتبر نفسه مُعلم الشعب، ونحن نرى أن الشعب هو المُعلم الأول والأعظم. وربما كان يتصور أنه مُحقق العدالة والكرامة الإنسانية للمصريين، رغم أن ضحايا استبداده كانوا أعصى على الإحصاء. ليس لدىَ غير الكلام، ولا أحمل سوى القلم لأنقش به عبارات وأفكار آمل أن تدخل ميزان حسناتى يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلب سليم. وكلامى مُر لكننى أراه صواباً يحتمل الخطأ وأرى كتابات الدعاية ليوليو خطأ لا يحتمل الصواب. والله أعلم.