عامان وخمسة أشهر، هي كل المدة التي أنار فيها ذلك الخليفة الفذ أرجاء الدنيا بعدله وحكمته، واستحق ذلك اللقب الأبدي الذي التصق باسمه حتي اليوم.. خامس الخلفاء الراشدين. ولم لا وهو من بيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وأبوه هو عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، وقد ولد بحلوان بمصر وأبوه أمير عليها. وقد تنبأ عمر بن الخطاب بعدله ومكانته عندما قام من نومه يوماً وهو يقول: من هو هذا الأشج الذي يأتي من بعدي يملأ الدنيا عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. وهو ما كان سبباً في فرح أبيه وسعادته عندما هب الفرس في وجه عمر بن عبدالعزيز ذات يوم فأدمي جبهته وأصابه بشج بقي أثره حتي كبره. وكان عمر مشهوراً بأناقته ولبسه لأفخم الثياب قبل أن يولي الخلافة، فلما تولاها لم يعد يملك سوي ثوب واحد مرقع، فقد نال الخلافة ولم يسع إليها، بل بكي بشدة حين علم أن ابن عمه سليمان عهد إليه بخلافة المسلمين من بعده، وفي أول يوم له في الخلافة بدأت تتفتق ملامح الورع والتقوي في هذا الرجل، فقد خير مواليه بين المكوث معه علي عشرة دنانير أو التخلي عن خدمته، ثم ذهب إلي زوجته فاطمة وخيرها بين أن تدع حليها وجواهرها في بيت مال المسلمين أو يطلقها، فأبت أن تتركه وتخلت عن كل ما تملك لقاء البقاء مع هذا الرجل الصالح. وفي يوم خلافته حدث أمر غريب فقد رعت الشاة إلي جانب الذئب دون أن يؤذيها، فعلم الرعاة أن رجلا صالحا تولي أمر هذه الأمة. ويروي غلامه فيقول: دخلت يوماً إلي بيت عمر بن عبدالعزيز فقدمت لي مولاتي فاطمة عدسا، فقلت بازدراء: كل يوم نأكل عدساً؟ فأجابتني: هذا طعام أمير المؤمنين. ومن شدة ورعه، كان عمر بن عبدالعزيز لا يحكم علي أحد متعجلاً مخافة أن يظلمه، بل يتروي ثلاثة أيام قبل أن يصدر الحكم علي رعيته. عرف الناس خلال حكمه عدلاً لم يعهدوه من قبل وقد كان بيت مال المسلمين يفيض بالخير ويكفي حاجياتهم ويزيد. وتحين المنية، ويطلب سيدنا عمر من زوجته وغلامه أن يخرجا من الغرفة فيقفا عند الباب، فإذا بهما يسمعانه يقول: مرحبا بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم تلا الآية الكريمة «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين». لتفيض روحه إلي بارئها، وفي تلك الليلة أغار الذئب علي الشاة، فعلمت الناس أن الرجل الصالح قد مات.