لا يوجد فى الدستور ما يدعو للعزل السياسى لأفراد أو فئة أو جماعة، بل إن الدستور جعل مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجبًا وطنيًا، له حق الانتخاب والترشح وابداء الرأى فى الاستفتاء، وترك الدستور للقانون عملية تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وأجاز أعفاء البعض من مباشرة هذه الحقوق منهم المحكوم عليهم وفاقدو الأهلية وحالات أخرى محددة فى القانون. وعندما تقرر محكمة الأمور المستعجلة إلغاء حكم أول درجة بحظر ترشح قيادات الحزب الوطنى المنحل للانتخابات البرلمانية فإن المحكمة تكون قد طبقت الدستور الذى ألزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، من توافرت فيه شروط الناخب. صحيح أن الحزب الوطنى ارتبط اسمه بالفساد طوال فترة حكم مبارك، وكما إنه هو السبب فى ضعف الأحزاب السياسية الحالية لأنه لم يعط لها الفرصة للوصول إلى الجماهير لأنه لم يؤمن بالتعددية الحزبية وطبق نظام حكم الحزب الواحد وتنكر لمبدأ تداول السلطة وضيق الخناق على المعارضة، وفتح الأبواب أمام أعضائه لتولى المناصب والمواقع السياسية، لكن ليس كل من انتموا إلى الحزب الوطنى فاسدين، وليس كل من حملوا بطاقات الحزب كانوا يؤمنون بسياساته، ولذلك أطلق عليه حزب أصحاب المصالح، ولم يكن حزبًا بالمعنى الحقيقى للأحزاب، وتأكد ذلك بانهياره بسرعة فور قيام ثورة 25 يناير، وتخلى عنه كل الذين كانوا ينتمون إليه وسقط سقوطًا ذريعًا، هناك فاسدون كانوا أعضاء فى الحزب الوطنى، واستفادوا من ورائه فى تكوين ثروات غير مشروعة، وحصلوا على عضوية البرلمان عن طريق التزوير، وهناك فى المقابل شخصيات محترمة كانت تنتمى إلى هذا الحزب لم تفسد، ولم تستغل قربها من السلطة فى الحصول على منافع، ودخل بعضهم البرلمان اعتمادًا على سمعته، وهناك من اضطروا إلى حمل عضوية الحزب الوطنى لحماية ثرواتهم التى جمعوها من خلال الاستثناءات التى كانوا يحصلون عليها، وهناك المرتزقة الذين كانوا يسبحون باسم الحزب الوطنى ليل نهار، ويلعقون الأحذية ليستمروا فى ركب النظام، وهؤلاء هم الذين دخلوا البرلمان بالتزوير، وبعضهم لم يدخل البرلمان ولكنهم حققوا ثروات طائلة بطرق غير مشروعة، ومازالوا يتمتعون بها، ولم يدفعوا حقوق الدولة من ضرائب أو رسوم ومازالوا مترددين فى الاستجابة لدعوة دعم الاقتصاد المصرى التى أطلقها الرئيس السيسى، بالتبرع بجزء من أموالهم، رغم أنهم كانوا أول المتبرعين لدعم الحزب الوطنى لتزوير الانتخابات وشراء الأصوات، بل كان بعضهم يتفاخر بأنه دفع من ماله تكاليف حملة دعت إليها «الهانم» لتنفيذ اقتراح معين، فقد كان هؤلاء يدفعون باليمين ويحصلون بالشمال على أضعاف ما كانوا يدفعونه، وحاليًا يسيطرون على أجود الأراضى التى حصلوا عليها بالمجان، وباعوها بالمليارات، كما حصلوا على قروض بدون ضمانات من البنوك أقاموا بها مشروعاتهم ورفعوا أسعار منتجاتهم فى الأسواق واحتكروا بعض السلع الاستراتيجية ومرروا القوانين التى تخدم مصالحهم عن طريق البرلمان، أحد هؤلاء كان مدينا بعدة مليارات فى صفقة حصل عليها من المال العام، فصدر قرار تفصيل بعدم استيراد السلعة التى يحتكر تصنيعها فى مصر لرفع سعرها فى الداخل من انتاجه ليستطيع سداد المبلغ المطلوب منه، لم يخسر شيئًا، ولم يدفع شيئًا من جيبه، وآخر من المستفيدين بالحزب الوطنى كان يعرف كيف يحصل على الامتيازات بطريقة إطعام الفم، وجمع ثرواته بهذه الطريقة ومازال ينعم بها، ولكنه يعيش مرعوبًا كالفأر المذعور خوفًا من فتح ملفاته. الحزب الوطنى أصبح ماضيا لن يعود لكن مات الزمار ومازال أصبعه بيلعب، هل نقطع هذه الأصابع ليست كلها مثل بعضها، وأعضاء الوطنى أو الذين كانوا ينتمون هذا الحزب المنحل ليسوا كلهم مثل بعضهم، والأفضل أن هو تركهم لحكم الشعب صاحب القرار فى عزلهم عن طريق صناديق الانتخاب، الشعب يعرف هؤلاء جيدًا، يعرف الصالح منهم والطالح، مطلوب ترك هذه المهمة للشعب ليعزل الفسدة من الحياة السياسية، والذين لم يجرموا فلا بأس من استمرارهم. العزل بقرار من الشعب أصعب من القرار السياسى وحكم المحكمة.