لا نريد إرهاب رجال الأعمال، ولاحتى تخويفهم.. فقط نريد مساهمتهم فى برنامج إنعاش اقتصاد مصر.. وليس هناك أي تفكير، ولا يجب أن يكون للعودة لسياسة التأميمات والمصادرة أو القهر.. حتى لا تهرب رؤوس الأموال الوطنية للخارج، كما حدث فى الستينيات، أو حتى تخزينها تحت البلاطة. بل نحن نريد أيديهم معنا نحن كل المصريين لكى نخفف من الأعباء التى تتحملها حكومة فقيرة.. ليساهموا فى توفير بعض الخدمات.. لمن يحتاجها من البسطاء.. ووالله ليس ذلك من باب الضغط على رجال الأعمال، ولكننى أراها ضريبة يردها هؤلاء للوطن، عندما يرجوهم الوطن.. بل أتمناها يخرجونها عن طيب خاطر.. على الأقل: زكاة مال واجبة على كل من يملك مالاً.. أو مصنعاً. وأقولها بصراحة فى مصر الآن حكومة فقيرة.. وفيها أثرياء ورجال أعمال ربحوا كثيراً.. خصوصاً فى الأربعين سنة الماضية.. ونحن هنا لا نريدهم أن يقدموا أموالاً سائلة للحكومة على هيئة تبرعات أو هبات..ولكننا نراها فى صورة خدمات.. وقد كان أجدادكم قد قدموا المثل لمثل هذه الأعمال. وشهد القرن الماضى قمة هذه الأعمال. كانت مصر تخضع للاحتلال البريطانى، وكانت أهدافه أن يبقى كل شىء على حاله.. بحيث لا تقدم الحكومة إلا الحد الأدنى: من المدارس ومن المستشفيات.. ومن الملاجئ.. ومن المصانع هنا مد الأثرياء أيديهم للقيام بهذا الدور. فى قطاع التعليم شهدنا طفرة فى إنشاء المدارس الأهلية. فى كل المدن على حد سواء. تعويضاً عن نقص ذات يد الحكومة، ووجدنا المدارس الأهلية فى كل مكان.. أولية وابتدائية.. وبعضها ثانوية.. أو مدارس متكاملة حتى وجدنا فى دمياط مثلاً 19 مدرسة أهلية فى زمن واحد.. تماماً كما وجدنا مدرسة المساعى المشكورة فى المنوفية وكان من رعاتها قاضى قضاة مصر عبدالعزيز فهمى.. وفيها تعلم معظم أبناء المنوفية، حتى الرئيس حسنى مبارك وكان الأثرياء يتسابقون فى إنشاء مثل هذه المدارس لمواجهة عجز الحكومة. وهل ننسى مشروع الجامعة المصرية الذى بدأ عام 1908 بتبرعات الأغنياء والأمراء.. منهم من قدم المال.. ومنهم من قدم المجوهرات.. ومنهم من قدم الأراضى وأبرزهم هنا الأميرة فاطمة كريمة الخديو إسماعيل التى قدمت المال والمجوهرات والأرض.. وهكذا أنشئت الجامعة الأم فى المنطقة العربية كلها. وفى قطاع المستشفيات وجدنا مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية فى العجوزة. ومستشفى المواساة بالإسكندرية الذى أشرف عليه والد وزير الخارجية الأسبق عصمت عبدالمجيد.. والمستشفى القبطى ومستشفى سيد جلال بباب الشعرية، ومستشفى الصدر بدمياط الذى أنشأه الطويل بك من أثرياء المدينة.. كما وجدنا الجاليات الأجنبية تتسابق فى هذا المجال فوجدنا المستشفى الإيطالى والمستشفى اليونانى والمستشفى الإسرائيلى.. وهكذا.. كما تسابق الأغنياء فى إنشاء الملاجئ لرعاية الأطفال.. أطفال الشوارع، وجدنا ذلك فى دمياط وفارسكور.. بل وقدم الأمراء قصورهم لتخصيصها كملاجئ للفتيات مثل ما فعلته ابنة الملك فؤاد فى ملجأ الفتيات بالعجوزة.. ومازال قائماً. وفى التصنيع.. هل ننسى مشروع القرش الذى تبناه كل المصريين فى أوائل ثلاثينيات القرن الماضى لبناء مصنع للطرابيش، التى كنا نستوردها من النمسا.. ولن ننسى تجربة مصنع غزل دمياط الذى باعت سيدات دمياط مجوهراتهن.. بل ونحاس المطبخ للمساهمة فى بناء هذا المصنع. وهل ننسى تجربة طلعت حرب وبنك مصر الذى جمع جنيهات بسيطة من المصريين، لشراء الأسهم والواحد باثنين جنيه ومن الحصيلة أقام «38» مصنعاً وشركة للغزل والنسيج والحرير والمطابع والنقل النهرى والبحرى والجوى ومصانع الزيوت والصابون.. وحتى التمثيل والسينما «ستوديو مصر». وكل ذلك يمكن للقادرين من المصريين أن يقدموه للوطن.. للتخفيف عما هو مطلوب من الحكومة.. أى يتسارع الأثرياء وهم بلغة اليوم رجال المال والأعمال لإنشاء ما يحتاجه الوطن من مشروعات فى كل المجالات.. لكن كيف؟ هذا ما سوف نذكره غداً بالتفصيل.. وكل حسب قدرته.. ودون ضغط، ولكن بعد أن تعد الحكومة برنامجاً لما يحتاجه الوطن فى كل مكان..ثم تطرح مشروعات هذا البرنامج على القادرين.. ولكن كيف. غداً... الإجابة!!