صفية بنت عبد المطلب بن هاشم هي الأخت الشقيقة لحمزة أسد الله وأخي الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، وأمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف وبحكم نسبها وتربيتها كانت كريمة النفس شديدة البأس، وكانت شاعرة مطبوعة ولها في رثاء أبيها أبيات أوردها ابن هشام في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تزوجت في الجاهلية من الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس فولدت له ابنا يدعى صفيا، ومات عنها الحارث فتزوجت العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أخي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد أولى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له ثلاثة بينهم: الزبير الذي اشتهر بأنه حواري الرسول لقوله صلى الله عليه وسلم «لكل نبي حواري وحواريي الزبير». وحين أشرق نور الاسلام وأفصح النبي صلى الله عليه وسلم عن الرسالة التي تنزلت على قلبه، كانت صفية بسلامة فطرتها وذكاء قلبها وشفافية روحها أول من استجاب لرسول الله من أهله وأولى المبايعات له ولذلك كانت أقرب عماته إليه وحين أمره الله بالجهر برسالته. قام النبي فنادى أهله فكان مما قال: «يا صفية عمة محمد، يا فاطمة بنت محمد استوهبا انفسكما من الله فانما لا أغني عنكما من الله شيئا». وعندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة الى المدينة هاجرت مع أخيها حمزة وابنها الزبير بن العوام، وشهدت مع النبي المشاهد كلها، وكان لها في كل مشهد موقف يتجاوز ما كانت تقوم به الصحابيات من سقاء المقاتلين المجاهدين ومداواة الجرحى. أما موقفها من غزوة الخندق فقد كان دليلاً جديداً على شدة البأس مقرونة بقوة الحرص والانتباه ووزن الأمور، فقد تحالفت قريش وغطفان ويهود بني قريظة لحرب المسلمين وحاصروا المدينة، وقام النبي والمسلمون بحفر خندق حول المدينة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على حماية النساء والولدان وتوفير الأمن لهم حتى يصون أعراض المسلمين وحتى لا ينشغل المقاتلون ببيوتهم فأمر بنسائه ونساء المسلمين وأطفالهم فجعلوا في الحصون والقلاع ونزلت صفية وعدد من نساء المسلمين في حصن لحسان بن ثابت. وكان من أمنع حصون المدينة فبينما صفية تراقب ما يجري خارج الحصن إذا بها ترى يهودياً من بني قريظة الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله وحالفوا عليه اعداءه فوزنت الأمور فإذا هى ترى أنه ليس بينهم من يدافع عنهم إن ذهب الرجل وأبلغ اليهود بأحوالهم، وأنه لا ينبغي شغل النبي وأصحابه بهم، فطلبت من حسان بن ثابت أن ينزل إليه فيقتله حتى لا يذهب إلى اليهود ويفشي سرهم ويعرضهم للقتل أو السبي، ويبدو أن حسان كان مسنا ومريضاً أو ليس صاحب شأن في القتال فقال لها: يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب، والله قد عرفت ما أنا بصاحب هذا فتركته صفية واحتجزت أي شدت وسطها وأخذت عموداً من حديد ومضت إلى باب الحصن ففتحته ومضت إلى اليهودي فضربته بالعمود على رأسه فقتلته ورجعت إلى الحصن فقالت: يا حسان: انزل إليه فاسلبه فإنه لا يمنعني من سلبه إلا أنه رجل: فقال لها: ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب. وفي غزوة خيبر كان لها شأن عظيم، فقد اتخذت لها مع رفيدة الأسلمية خيمة تداوي فيها كل منهما من أصيب في الحرب من المسلمين ولهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأمثالها من المؤمنات المجاهدات نصيباً من الغنائم التي غنمها من اليهود تكريما لهن وتعظيما لشأنهن وتنويها بحسن صنيعهن في خدمة المجاهدين. ولكل هذه الصفات السامية والمواقف النبيلة اضافة الى قرابة الدم كان النبي صلى الله عليه وسلم يكن لها اعزازاً خاصاً ويحب مداعبتها، ويروي أنها قد هرمت قليلاً فسألت النبي أن يدعو لها بالجنة، فقال لها النبي: «إن الجنة لا يدخلها عجوز» فحزنت لذلك حزنا شديد فلاطفها النبي وطيب خاطرها وأزال الحزن عن قلبها وتلا عليها قوله تعالى: «إنا أنشأناهن إنشاء، فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً» «الواقعة 35-37». وكانت صفية رضى الله عنها وأرضاها شديدة التعلق بابنها الزبير بن العوام ترافقه في كل معركة ويخفق قلبها خوفاً عليه من هول الصدام، وقد حدث مرة في غزوة خيبر أن يهوديا، اسمه ياسر خرج يطلب من يبارزه فخرج اليه الزبير بن العوام، فقالت صفية للنبي صلى الله عليه وسلم: يقتل ابني يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «بل ابنك يقتله إن شاء الله» فخرج الزبير الى اليهودي فالتقيا وتبارزا فقتله الزبير وصدق وعد النبي. وعاشت صفية بنت عبد المطلب إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتوفيت عام 20 للهجرة وهى بنت ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليها الخليفة عمر، ودفنها في البقيع.