لم يكن عام 1977 الا ذكري سيئة في التاريخ المصري الحديث عندما تجاهل الرئيس الراحل انور السادات الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الشعب وقام برفع الاسعار الامر الذي لم يغفروه له رغم انه القائد المنتصر في حرب اكتوبر اعظم حروبنا في العصر الحديث والتي لقن فيها اسرائيل درسا لا ينسي فالشعوب لا تتحمل ابدا ان يتلاعب احد في قوتها وتحت الضغط تراجع السادات ولم يجرؤ احد منذ ذلك اليوم المساس بالدعم رغم تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي ثم السوق الحر ليأتي اعلان حكومة المهندس ابراهيم محلب رفع اسعار القود ضربة موجعة لآمال وطموحات الشعب الذي توقع ان تساهم ثورة يناير وموجتها الثانية في 30 يونية في تخفيف اعبائه وتوفير حياة كريمة له خاصة بعدما رفعت شعار «العدالة الاجتماعية» كأحد اهم اهدافها ليضع مستقبل النظام الجديد علي المحك وجعل الجميع يتساءلون عن وعد الرئيس عبدالفتاح السيسي بأنه سينحاز للفقراء أم انه تبخر في الهواء وللأسف تحول الفقر في بلادنا من ازمة تحتاج لتدخل الدولة لانهاء معاناة اكثر من 40 مليوناً لا يجدون قوت يومهم الي جريمة مخلة بالشرف يجب معاقبة اصحابها بزيادة اعبائهم ودفع فتورة التحول الاقتصادي والسياسي للبلاد، ففي بلادنا يترك اللصوص والحرامية والمجرمين احرار طلقاء وينهبون اموالنا وثرواتنا في وضح النهار دون ان يقترب منهم أحد بل لا يمنعهم قانون مباشرة الحقوق السياسية من ان يصبحوا نوابا في البرلمان ومسئولين في الحكومة وللأسف كله بالقانون!، في بلادنا فقط يتحمل سد عجز الموازنة الفقراء أما الاغنياء ورجال الاعمال فهم في مأمن ولا احد يسألهم عن حقوق الدولة التي تصل الي مليارات تساوي الي ميزانيات دول بالكامل. نعترف ان مصر تعيش اوضاعاً اقتصادية بالغة السوء خاصة خلال السنوات الاخيرة التي أعقبت الثورة بسبب غياب الأمن وهروب الاستثمارات لكن ذلك ليس مبررا لتحميل الموطن فوق طاقته حيث ستشهد اسعار السلع والمواصلات ارتفاعا جنونيا سوف يفجر موجة غضب اجتماعية لم يكن وقتها الآن فالشعب لن يستطيع تحملها اضافة الي ان الثورة لم تستطع ان تتخلص من خصومها بعد، ومازال اعداؤها يتربصون بها، وهو ما يمثل خطراً كبيراً لن تستطيع شعبية السيسي الكبيرة التصدي لها لكن في نفس الوقت التراجع عن هذه القرارات الخاطئة سيكون رسالة اكثر ضررا علي مستقبل الوطن لذا لابد من أن تلتزم الحكومة بوعودها في ضبط الاسعار وأن يصبح الحديث عن إحالة أي سائق أو بائع يرفع الأسعار لجهاز الكسب غير المشروع واقعاً ملموساً وليس مجرد نكته سخيفة ووهم وخيال اضافة الي توفير السلع بسعر في متناول الجميع اضافة الي ضرورة وضع برنامج شامل للاصلاح الاقتصادي بما يضمن زيادة الاستثمار والانتاج وافتتاح مصانع ومشروعات جديدة تساعد في خلق فرص عمل جديدة تقلل من معدل البطالة الذي وصل الي 13٫6% وعلاج اقتصادنا المريض والذي وصل الي حالة حرجة بعدما وصل عجر الموازنة الي 293 مليار جنيه والمديونية الي 1942 مليار جنيه لكن ألا نحمل ذلك للفقراء وحدهم. الحقيقة ان تحركات الحكومة كانت عشوائية واختارت الحل الاسهل علي حساب البسطاء وتجاهلت وضع خطة حقيقية للاصلاح الاقتصادي تشمل انجازا حقيقيا وعلاجا لا يضر بالوطن ولا يعرضه لمخاطر هو في غني عنها في تلك اللحظات الحرجة التي يعيشها وهو ما يسلتزم من الرئيس ان يتخذ عدة قرارات تعوض المواطن عن اعباء رفع اسعار الوقود وايضا تضمن حقوق الدولة فيمكن مثلا اصدار قانون الضريبة العقارية المؤجل صدوره منذ 7 سنوات وهو ما تسبب في خسارة الاقتصاد الوطني 24 مليار جنيه حيث اكد بعض الخبراء انه يمكن زيادة حصيلة الضرائب من 300 مليار جنيه الي تريليون جنيه عن طريق فرض ضرائب علي المهن الحرة والهيئات الاقتصادية وعددها 51 هيئة، اضافة الي اعادة استثمار ثرواتنا المحجرية المنهوبة والتي لا تستفيد منها خزينة الدولة الا بنحو 60 مليون جنيه سنويا في حين ان الاسعار العادلة لها بأسعار 2014 لا تقل عن 22 مليار جنيه كمادة خام فقط فماذا لو تم افتتاح مصانع وتحويلها الي مواد مصنعة، حيث ستتضاعف الايرادات وايضا تقلل من حجم البطالة، فيما يبقي استرداد اموالنا وثرواتنا المنهوبة في الداخل والخارج خطوة ضرورية عبر التصالح مع رجال الاعمل وفسدة النظام المباركي فيما يعرف بقضايا الفساد المالي والاداري طوال ال33 عاما الماضية ومنها فرق الاسعار في الاراضي والامتيازات وما تم الحصول عليه دون وجه حق اضافة الي فائدة البنك المركزي طوال مدة حبس هذه الاموال لديهم، وفارق تحويل الاراضي الزراعية الي اراضي بناء وتحويلها الي منتجعات خاصة علي الطريق الصحراوي، اضافة الي التقشف في مصاريف الحكومة مما يوفر ما لا يقل عن 50 مليار جنيه، و400 مليار جنيه قيمة الضرائب المستحقة علي التصرفات العقارية السابقة، وإلغاء دعم الطاقة للصناعات كثيفة استخدام الطاقة مع فرض قانون حد أقصي لهامش الربح والذي سيضمن توفير نحو 50 مليار جنيه، وغيرها من الاجراءات التي تضمن اعادة الحياة الي الاقتصاد الوطني واخراجه من غرفة الانعاش دون تهديد الاستقرار المجتمعي، ودون استمرار سياسات تسببت في اندلاع ثورتين فلن نقبل ان تستمر سياسات افقار الفقراء دون ذنب اقترفوه ومحاباة الاغنياء دون وجه حق او خير للوطن قدموه، فلن نكرر مأساة عبدالحميد شتا الشاب النابه والذي انتحر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما رسب في امتحان وزارة الخارجية بدعوي انه غير لائق اجتماعيا فقط لان والده رجل بسيط بينما نجح من كان يدرس لهم «كورس» دخول الامتحان فقط لانهم من ابناء الاكابر ومن اصحاب كروت التوصية فنتمني من الرئيس السيسي الذي وصل الي السلطة بفضل ملايين البسطاء والغلابة الا يعيد زمن يعتبر فيه الفقر جريمة مخلة بالشرف كنا نظنه انه قد ولي إلي غير رجعة.