فى العصر الحديث اخترع العلماء أجهزة للكشف عن الكذب، وأخرى لقياس ضربات القلب، والضغط ، ونسبة السكر، والكحوليات والمخدرات فى الدم،.. لكن العلم الحديث رغم تقدمه لم يخترع بعد أجهزة دقيقة لقياس درجات الغباء والجهل، أوالنفاق والطمع، أو حب السلطة والتسلط عند الإنسان، وخاصة عند رجال الحكم والسياسة الذين غالبا ما نكتشف نفاقهم وطمعهم وتسلطهم بعد فوات الآوان. أتحدث عن " أهل النفاق" أس البلاء وأساس الشر ومحوره،.. هم العدو الأكبر لمصر ،.. سارقوا الثورات والثروات والأوطان ،.. هم العدو المتنكر فى ثياب الصديق. فى فجر 23 يوليو 1952 قام الضباط الأحرار بحركة أو إنقلاب عسكرى تحول إلى ثورة بعد تأييد الشعب الذى كانت تعتمل فيه الثورة، وفى عملية التطهير تم التخلص من الضباط الأحرار واحدا تلو الآخر، خوفا من أن يقوم بعضهم بإنقلاب آخر، بينما حصد المكاسب والمغانم الذين كانوا يغطون فى النوم فى ليلة 23 يوليو، قدموا أنفسهم بإقتدار على أنهم أهل الثقة بينما هم أهل الغدر والخيانة ولصوص سرقوا مجوهرات الأسرة الملكية والقصور المصادرة والشقق الفاخرة..... "أهل النفاق" هم الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدر الحاكم من الوطنيين الشرفاء وأصحاب الكفاءات والخبرات، .. هم الذين يزينون له الباطل حقا والحق باطل،.. هم رجال – وماهم برجال – لكل العصور، لديهم قرون إستشعار خارقة يعرفون بها من أين يؤكل الكتف . "أهل النفاق" يحدثنا عنهم القرآن الكريم بأنهم فى الآخرة " فى الدرك الأسفل من النار" ، .. لكن فى الدنيا هم من أهل القمة والحظوة والسطوة والثروة دون كفاءة أو إستحقاق، والحديث الشريف يقول عنهم: " عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أربع من كن فيه كان منافقا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر". أهل النفاق هم طفيليات بشرية ، .. مصاصوا دماء ، .. بهلوانات فى سيرك السياسة، لا ملة لهم ولا دين ولا مبدأ لكن لديهم مواهب وقدرات تمثيلية تفوق مواهب زكى رستم أو سير لورانس أوليفيه عندما يستخدمونها يخالهم الناس أكثر تقوى من شيخ الأزهر وأكثر ورعا من البابا ، وأكثر شيوعية من ماركس ولينين،... لا مانع عند المنافق من أن يكون شيوعيا بالأمس وإخوانيا اليوم و" ثورجيا" فى الغد ،.. لا مانع من أن يكون إشتراكيا بالأمس ورأسماليا اليوم،.. أهل النفاق تجدهم فى كل مكان " صحرا إن كان أو بستان" ،.. تجدهم فى القرية والمدينة والمصلحة الحكومية وفى القصر الرئاسى،... تجدهم بكثرة فى كل أنواع " الميديا" فى الصحافة والإعلام، .. يحترفون إعتلاء المنصات فى المؤتمرات والوقوف خلف الميكرفونات وأمام الكاميرات والظهور على الفضائيات ليس فقط لأنهم يسعون إلى الصيت والشهرة، ولكن لأن كله " بيزنس" يترجم فى النهاية إلى أموال وأرصدة وثروات وضحك على الذقون . يوجد من أهل النفاق من أسدلت على عقولهم ستائر الجهل والتعصب ، وعلى أبصارهم رغبات الجشع والطمع الجامحة للإئراء بأى ثمن ولو على حساب الدين ، فقد أصبح أسرع طريق للثراء. إن أخشى ما أخشاهم وأتوجس ريبة منهم هم بعض المنافقين شذاذ الآفاق الذين يظهرون بكثرة على الفضائيات، يمطروننا بأحاديث وخطب عنترية، ويسطرون مقالات نارية فى الصحف يهاجمون فيها كبار اللصوص من الساسة والمسئولين بإسم الحرص على المال العام، والشرف والكرامة والوطنية ، ولو عرف الناس حقيقتهم لألقوا بجهاز التليفزيون من أقرب نافذة وحرقوا صحفهم بدلا من إحراق دمهم. لا شك أن ثمة علاقة عضوية بين " أهل النفاق" والفساد.... منذ أسابيع قليلة كنت فى مكتب النائب العام لتقديم بلاغ عن سرقة برنامج تليفزيونى لأحد موضوعاتى الصحفية عن قصة حقيقية ، ودون الإشارة لى من قريب أو بعيد، وبالمصادفة، إلتقيت أحد المواطنين، يقدم بلاغا أيضا للنائب العام، وهذا أمر عادى يحدث كل يوم، ولكن الذى استرعى إنتباهى هو إكتشافى أنه حضر ليقدم بلاغه ضد النائب العام نفسه، ودفعنى الفضول الصحفى أن أعرف منه السبب، فلم أجد منه فى البداية أية إستجابة بعد أن علم أننى كاتب صحفى، ويبدو أن ما حدث معه جعله يكفر بالصحافة والصحفيين،.. وبعد إلحاح وإصرار منى روى لى أنه كان يعمل فى مؤسسة حكومية كبيرة كمحاسب،.. وذات يوم وقعت تحت يده مستندات تتعلق بواقعة نصب وإحتيال بطلها مستثمر خليجى كبير جدا، قام بتوريد بضاعة مستوردة من الخارج إلى المؤسسة الحكومية ثمنها حوالى 200 مليون جنية، وإكتشف المحاسب المذكور أن قيمتها لا تتعدى عشرة ملايين جنيه، وطبعا المستثمر الكبير وضع الفرق فى جيبه بعد أن دفع رشاوى لمسئولين كبار، .. فتقدم المحاسب ببلاغ للنائب العام، ولكن كما قال لى تم حفظ البلاغ ربما لأن المستثمر على إسمه وظهره لوحات مكتوب عليها " ممنوع الإقتراب"،.. فسألته قائلا: ولماذا لم تذهب بالمستندات التى تحت يدك إلى الصحافة والإعلام لكشف عملية النصب والإحتيال؟ فقال لى أنه ذهب بالفعل إلى إثنين من كبار الصحفيين فى الصحف الخاصة، وعرض عليهم المستندات وقدم لهما صور ضوئية ، بعد أن تلقى وعدا بالتحقيق فى الأمر والنشر،..قلت له : عظيم فرد على قائلا: ولا عظيم ولا حاجة .. لقد عرفت أنهما إتصلا بالمستثمر الكبير وأخبراه بالمستندات التى وقعت تحت أيديهم ،... وتسلم كل منهما شيكا بنصف مليون جنيه كرشوة مقنعة فى صورة القيام بحملة دعاية لشركاته، وأن " يكفو على الخبر " ماجورين"،.... وفقد المحاسب وظيفته، منذ أكثر من خمس سنوات، ويحاول بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أن يحيى القضية من جديد.! لا حول ولا قوة إلا بالله..... لا يسعنى إلا أن أردد كلمات الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه : " لا علم كالتفكير، ولا ميراث كالأدب، ولا إيمان كالحياء والصبر، والناس أعداء ما جهلوا" وأن أتذكر وأذكر بحكمته البالغة كرم الله وجهه: " ان أغني الغني العقل .. وأكبر الفقر الحمق .. وأوحش الوحشة العجب .. وأكرم الكرم حسن الخلق." والذى أصبح يراه المرء فى مصر هو غياب العقل، وزيادة الحمق، وكم بمصر من العجب العجاب، وندرة حسن الخلق. وأخيرا يا سادة يا كرام : إن الفساد المستشرى فى مصر والعالم العربى ليس أمرا عارضا وإنما هو سياسة عن عمد ومع سبق الإصرار ،... سياسة دولة كبيرة إسمها : " إتحاد جمهوريات وممالك وإمارات ومشيخات فسادستان العربية المتحدة. - إنقذوا الثورة من " أهل النفاق". كاتب صحفى مصرى- كندى [email protected]