مسلسل داعش الذى نشاهد حلقاته يوميا عن قيام «دولة الخلافة الإسلامية»، ملىء بكل موبقات الدراما الرمضانية.. حيث إننا امام مشاهد متتالية من سفك دماء ورعب، وأفكار شيطانية، تحركها أياد خفية لا تقتصر جرائمها على المواقع التي احتلها التنظيم وأسس دولته فيها، بل إن تلك الأماكن ما هى إلا ردود فعل لأول حصاد للجماعات المسلحة متعددة الأجندات التي تختلف أسماؤها، ولكنها فى النهاية تصب فى التنظيم الأم الذى أقامته أمريكا لتحقيق مآربها فى العالم. وتنظيم القاعدة بكل إرثه الطويل من القتل والتدمير، هو النبتة التى أنتجت تنظيم داعش الذي ارتكب جرائم غير مسبوقة في بشاعتها وفظاعتها، وخاصة أن الأيام أثبتت أن الخلافات بين التنظيمات الإسلامية المختلفة هي خلافات لا يعتد بها، وأن كل هذه التنظيمات ما هى إلا أفرع من القاعدة. ويؤكد حدسى هذا أحد فيديوهات أيمن الظواهري (الذي تحدث فيه عن تحول القاعدة إلى جبهة لا مركزية، واحتوائها على تنظيمات وخلايا متنوعة، وإن الربيع العربي كان بمثابة الفرصة غير المسبوقة، لهدم أجهزة استخبارات وأجهزة أمنية، حتى يحين دور القاعدة للتدخل، لتفجر الصراع السني الشيعي، مما يعطي التنظيم الفرصة الذهبية لإقامة دولته المنشودة).. واستكملت الأحداث المأساوية بإرسال جماعات من سوريا ومن دول الجوار من انتحاريين (تمت السيطرة على عقولهم) ليكونوا مستعدين لقتل أنفسهم وقتل الآخرين معهم ظناً منهم أن الحور العين والغلمان المخلدين ينتظرونهم في الجنة!. وثمة تقرير خطير يفسر ما أقدمت عليه داعش صادر عن مؤسسة روبير لافون للنشر الباريسية بعنوان: كيف ترى المخابرات الأمريكية العالم عام 2020؟ والذى نقرأ فيه: «سوف يتمتع الإسلام السياسي حتى عام 2020 بانتشار واسع على الصعيد العالمي، ونتوقع أن ترتبط الحركات الإسلامية العرقية والوطنية ببعضها البعض وتسعى ربما إلى تأسيس سلطة تتجاوز الحدود القومية». وهذا ما يراه أيضا «ألفين توفلر» صاحب كتاب صدمة المستقبل و«مايكل تشاسودوفسكي»، الأستاذ في جامعة أوتاوا، من أن الموقف الأمريكي داعم لحركة داعش في العراق لتحقيق أهداف بعيدة الأمد منها الإطاحة بحكومة نوري المالكي وتقسيم العراق إلى ثلاثة بلدان مستقلة. وفى الواقع أن تلك «الخلافة الإسلامية» ما هى إلا التفاف تكتيكى لتنفيذ مشروع الشرق أوسط الجديد فتلك الانشقاقات هدفُها المباشر إسقاط «الدولة الوطنية» وإقامة ولاية الفقيه بدلا منها، ودولة الخلافة. والأولى تتمركز بين الدولة الإيرانية والأمة الشيعية، وأما الخلافة فتكون في عالم الإسلام السني بعد غيابٍ لثمانمائة عام وأكثر. وكلتا الدولتين أو الأيديولوجيتين ينشئ بينهما صراع أزلى يؤدى إلى تفكيك المنطقة إلى دويلات مذهبية وعرقية،وهو المطلوب تحقيقه فى مشروع «برنارد لويس» فصناعة تنظيم القاعدة وغزو أفغانستانوالعراق لا يخرج عن كونهما خطوات مدروسة لتحقيق هذا الحلم الاستعمارى متحركاً في اتجاهاتها مختلفة، واستخدامها لتحقيق مصالحه، ويأتي امتدادا له باندفاع حسن نصر الله فى مطلع عام 2013 إلى سوريا لمكافحة ما سماه الإرهاب التكفيري، وإنقاذ نظام الأسد. وأتت معه من كل اتجاه وصوبٍ ميليشيات من إيرانوالعراق واليمن وأفغانستان بزعم الدفاع عن المراقد المقدسة. واستكمل المخطط عندما أيدته روسيا علنًا، وسكتت عنه أمريكا وبريطانيا لذلك لم يكن غريبا ما عرضه الإيرانيون على الولاياتالمتحدة عَلَنًا، بالتعاوُن في مكافحة الإرهاب هناك.. وهو ما تبعه بعد ذلك من إعلان الإسرائيليين تأييدهم لقيام الدولة الكردية المستقلة، بمساندة الدور التركي الذي يلعب فى المسلسل الحقير شخصية الداعم للثورة السورية،وخاصة ان له مصلحة في سيطرة «داعش» على آبار النفط في سورياوالعراق وقيامه بتصدير انتاجها إلى تركيا او عبر موانيها إلى الخارج؟ والمثير للاشمئزاز أن من أدخل المتطرفين إلى سوريا، يريد الآن الاستقلال للأكراد، وربما مع الوقت يتطلب دوره كعميل للامريكان فى المنطقة المطالبة بالاستقلال للتركمان. والمبكى إلى حد الضحك أن الحركات الإسلامية وعلى رأسها داعش التي تحمل السلاح وتسفك الدماء بحجة نصرة دين الله لم تتحرك قيد انملة بينما تضرب غزة ليل نهار من إسرائيل، ولا أعرف ما الخلافة التى تدعو اليها فى ظل وجود الكيان الصهيونى القابع داخل قلب الأمة الإسلامية.كل هذا من المستحيل أن يحدث الا إذا كانت داعش وأمثالها ليست سوى ربيبة مشروع الأقليات التقسيمي، والذى يضمن لاسرائيل وجودها واستمرارها. وفى مرحلة ليست بالبعيدة سيظهر التعاون الخفى بين تلك الجماعات والاستخبارات الامريكية والصهيونية التى تغذى نار الفتنة بين السنة والأقليات العلوية والشيعية والمسيحية والكردية رافعة شعارات ظاهرها الاسلام وباطنها الماسونية العالمية،وما «داعش» و«حزب الله» وحماس وأبي الفضل العباس و«عصائب أهل الحق»، وقوات الدفاع الوطني التي أنشأها الجنرال سليماني في سوريا، والجنرال عون في لبنان، وحزب العمال الكردستاني في سوريا، وجيش التحرير الأرمني، والحزب القومي السوري، وأسماء أخرى الا أدوات استعمارية للقضاء على الوطن العربي وتقسيمه. ولأن مسلسل داعش الذي أنتجته أمريكا استخدمت فيه أسلوب التشويق والغموض فلا مانع أن تكون الولاياتالمتحدة عدواً فعلياً لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وليست حليفاً ضمنياً له؟ فهي تناهضه في بلاد الرافدين بدليل انها تدعم، ولو ببطء ورفق وعونٍ محدود، حكومة نوري المالكي، لكنها لا تناهضه في بلاد الشام، بدليل انها تعادي وتناهض أعداءه بلا هوادة، فى سورياوإيران وحزب الله.. ويبقى أن إعلان داعش للخلافة الإسلامية ما هو إلا مشهد هزلى في مسلسل أخرجته المخابرات الأمريكية.. ومازال المسلسل مستمراً!