السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    السبت 7 يونيو 2025.. نشرة أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    استمرار ذبح الأضاحي بالمجازر في الوادي الجديد خلال ثاني أيام العيد    النقل تصدر توجيهات لقائدي المركبات بشأن الأتوبيس الترددي    أوكرانيا: سقوط ضحايا في أقوى هجوم روسي على خاركيف شرقي البلاد    واللا العبري: الولايات المتحدة تدرس تقديم نصف مليار دولار لصندوق إغاثة غزة    بتصويت ساحق.. فلسطين تحصل على صفة عضو مراقب في منظمة العمل الدولية    مصادر: الحكومة اللبنانية كانت على علم ببناء حزب الله مسيرات قبل أسبوع من الضربة الإسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية    زلزال بقوة 4.3 درجات يضرب إيران    ديانج ينضم لمعسكر الأهلي في ميامي    مراكز الشباب والرياضة بالغربية تواصل احتفالات العيد لليوم الثاني بمبادرة «العيد أحلى بمراكز الشباب»    خالد الغندور: 14 لاعبا سيرحلون عن الزمالك    إقبال سياحي كثيف على جنوب سيناء في ثاني أيام العيد.. إشغالات كاملة ورحلات بحرية وسفاري    الآلاف يحتفلون بثاني أيام عيد الأضحى في حدائق كفر الشيخ    "الداخلية" تحتفل مع الأطفال الأيتام بعيد الأضحى المبارك وتوزع الهدايا عليهم    الخلاصة.. أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة    مات فيها شاب.. تفاصيل "خناقة بالسلاح" بين عائلتين في حلوان    أسما شريف منير تعلن زواجها برسالة خاصة "كلمت ربنا كتير وكان عندي يقين إنه هيعوضني"    فيلم "ريستارت" يتصدر تريند جوجل.. تفاصيل    الرعاية الصحية: مستمرون في تقديم خدمات آمنة ومتميزة خلال العيد    محافظ أسيوط يعلن عن تشغيل غرفة طوارئ بالتأمين الصحي خلال عيد الأضحى المبارك    الصحة: تكلفة علاج 1.4 مليون مصري على نفقة الدولة تتخطى 10 مليارات    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 4493 قضية سرقة كهرباء ومخالفات لشروط التعاقد خلال 24 ساعة    من الصداقة للعداء.. خلاف «ترامب» و«ماسك» يُسلط الضوء على التمويل الحكومي ل«تسلا» و«سبيس إكس»    في ثاني أيام العيد.. مصرع شخص وإصابة آخر في انقلاب سيارة بأسيوط الجديدة    أسعار البيض والفراخ اليوم السبت 7 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    الأسهم الأمريكية ترتفع بدعم من بيانات الوظائف وصعود «تسلا»    هل ترتفع اسعار اللحوم بعد العيد ..؟    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    رسميًا.. جون إدوارد مديرًا رياضيًا لنادي الزمالك    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    10 نصائح لتجنب الشعور بالتخمة بعد أكلات عيد الأضحى الدسمة    ترتيب مثالي لثلاجتك في عيد الأضحى: دليلك الذكي لفوائدها الصحية    استقرار أسعار الذهب في مصر خلال ثاني أيام عيد الأضحى 2025 وسط ترقب الأسواق العالمية    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    مها الصغير عن تصدرها التريند: «السوشيال ميديا سامَّة»    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيسان الشيخ يكتب: احتقان البيئة السنّية في لبنان ينتج تطرفاً فردياً.. لا إرهاباً منظماً
نشر في الوفد يوم 29 - 06 - 2014

أيقظت التفجيرات الأخيرة التي شهدها لبنان مخاوف جدية كان سبق أن بدأت مع سلسلة التفجيرات التي طاولت الضاحية الجنوبية لبيروت، من تحول البيئة السنّية اللبنانية الى تربة خصبة لإنتاج المتطرفين والانتحاريين المحليين
.
وفيما تُركت الساحة اللبنانية لوقت غير وجيز لتأدية دور وظيفي هو تأمين منطقة عبور للجهاديين المتوجهين الى العراق عبر سورية، مع ما يشبه الاتفاق الضمني بتحييد لبنان، عادت تلك المساحة وتحولت الى هدف مباشر لتنظيم «القاعدة» ومنصة لإطلاق انتحاريين الى لبنان والداخل السوري في آن معاً. ومع بروز أسماء شبان محليين في تنفيذ عمليات انتحارية وإعداد السيارات المفخخة، وارتباط مشايخ مسجلين في دار الفتوى بإرسالهم وتجنيدهم، بات شبه محسوم ان التنظيم افتتح فرعه اللبناني بشكل رسمي ومن دون مواربة.
فالاحتقان السنّي الذي بدأ يعتمل منذ 2005، تاريخ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، كان بلغ ذروته مع إعلان «حزب الله» رسمياً انخراطه في المعارك السورية واصفاً الثورة «ارهاباً» ومبرراً مشاركته ب «الواجب الجهادي»، ما جعل محاربته في المقابل واجباً «جهادياً» لا يقل شرعية بالنسبة الى أبناء الطائفة السنّية.
وسجل العام نفسه انخراط السلفية اللبنانية الرسمية في السياسة بشكل علني بعدما بقيت لعقود دعوية وبمنأى عن المتاهات الداخلية، مغذية مظلومية تلو الأخرى، ما يجعلها نظرياً على الاقل قابلة لإنتاج نماذج محلية من الانتحاريين. فبعد سلسلة الاغتيالات التي طاولت وجوهاً سنية تشغل مواقع عامة وأمنية حساسة، أُضيفت «الإهانة الى الأذى» في أحداث 7 ايار (مايو) 2008 التي استثمرت في «اتفاق الدوحة» لفرض تسوية سياسية لمصلحة «حزب الله».
وتغذت تلك المظلومية أيضاً من ثلاثة عقود من النفوذ السوري العسكري والأمني في لبنان الذي همّش الطائفة السنّية وأفرغها من زعاماتها إما عبر الاغتيال او الإقصاء. ثم تشبعت من معطيات خارجية وعابرة للحدود فطغت الهوية «الاسلامية» على الهوية الوطنية، وراح منسوبها يرتفع ويحبط وفق الأحداث الخارجية وكيفية الاستجابة لها محلياً. ففي العراق، وصلت الى السلطة حكومة نوري المالكي الموالية لإيران مُطلِقة يد الميليشيات الشيعية في استهداف مباشر للقيادات السنّية بذريعة مكافحة الارهاب، فيما انطلقت في البلد المجاور (سورية) ثورة ما لبثت ان اتخذت شكل أكثرية «سنّية» تصارع حكماً أقلوياً «علوياً». تلقائياً شُد العصب الطائفي، وترسخ شعور تلك الفئة اللبنانية بمظلوميتها الاوسع.
وبدأت الرسائل تتوالى على «حزب الله» ومعاقله. ففي أيار 2013، وبعد اعلان الأمين العام حسن نصرالله مشاركته في القتال في سورية، استهدفت الضاحية الجنوبية بصاروخين لم يوقعا ضحايا لكنهما أوصلا رسالة أولى وواضحة. وارتفعت الوتيرة حيث بلغت في ثلاثة أشهر فقط خمسة تفجيرات راح ضحيتها أكثر من 200 شخص بين قتيل وجريح.
أما «النقلة النوعية»، والتي أثارت الرعب فكانت مع أول عملية انتحارية نفذت ضد السفارة الإيرانية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 اعقبتها في شباط (فبراير) عملية انتحارية أخرى ضد المركز الثقافي الايراني. هكذا، لم يعد هناك مجال للشك لدى اللبنانيين بأن القاعدة باتت تفرّخ انتحارييها من وسطهم.
وقد يكون الأدهى أن تلك التفجيرات جاءت أيضاً على خلفية مواجهات مسلحة خاضتها مجموعات سنّية متطرفة في مدينتي صيدا وطرابلس.
وكان اللافت في كلتا الحالتين، علانية المجموعات المقاتلة، وإفراطها في المجاهرة بمواقفها ونشاطها بفضل شرعية استمدتها من الشارع وبعض زعاماته التقليدية، والاجهزة الامنية على السواء. فالأخيرة كانت أحاطت الشيخ أحمد الأسير في صيدا مثلاً بحمايتها ورعايتها الى حد بعيد، إلى أن وقع الاشتباك المسلح المباشر فنجح في ترتيب هروبه الى جهة يفترض أنها مجهولة. وفي طرابلس كرست تلك الاجهزة قادة المحاور «أبناء شرفاء للمدينة وخير من يدافع عنها» قبل أن تعود وتشن حملة اعتقالات بحقهم.
كل ذلك يقود الى القول بأن البيئة السنّية في لبنان إنما تقدم تربة مثالية لتطرف الشباب وانقيادهم نحو حركات جهادية أوسع. لكن الواقع، في المقابل، يقدم صورة مختلفة.
فبالنظر الى عنف الجماعة، والمثال عليه تنظيم «فتح الاسلام»، الذي ظهر في مخيم نهر البارد الفلسطيني في 2007، وعنف الأفراد كالشيخ أحمد الأسير أو حتى الانتحاري قتيبة الصاطم، يظهر جلياً أن لا أرضية صلبة لفكر قاعدي حقيقي. ربما يكون المجال متاحاً لتطرف فردي، وهو يحصل، لكن هنا لا مكان لأدبيات وأيديولوجيات من قبيل «محاربة الطاغوت» و «قتال العدو البعيد والقريب» و «إقامة الحد» وغير ذلك من سرديات «القاعدة». كما لا مجالس عزاء احتفالية ب «الشهيد» ولا محاولات لتصويره بطلاً. بل تبليغ متعجل من العائلات عن اختفاء أحد ابنائها والتبرؤ منه فور تبين مصيره. فيكفي مثلاً إن والد الصاطم سلّم نفسه الى الامن مباشرة بعد مقتل ابنه في عملية انتحارية ليطابق بيانات الحمض النووي.
وإذا اعتبرنا ان «فتح الاسلام» اكثر مجموعة منظمة تابعة للقاعدة ظهرت في لبنان، فلم يطل بها الامر حتى انكشف أنها اداة أداة أمنية سورية أدخلت الى لبنان بعد الانسحاب العسكري وانهيار المنظومة الامنية المشتركة. فزعيم المجموعة، شاكر العبسي، أخرج من سجن صيدنايا وأوفد الى لبنان ليشكل مع مجموعة من المفرج عنهم مثله جماعة مهمتها تجنيد المقاتلين وإرسالهم الى العراق. وفي بداية ظهورهم، ألصقت التهمة بالفريق السياسي السنّي الناشئ آنذاك، أي 14 آذار. لكن عندما حسم قرار المعركة العسكرية ضدهم، رفع «حزب الله» الصوت عالياً بذريعة أنهم يقاتلون «محتلاً أجنبياً في بلد عربي (العراق) ولا يؤذون الداخل»، وأعلن أمينه العام المخيم وأهله «خطاً أحمر» لن يقبل باختراقه!
أما الشيخ الأسير، الذي سطع نجمه بصفته الوجه المحلي للتطرف والارهاب، فلا يعدو كونه «مهرجاً» يهوى الاستفزاز والاثارة الاعلامية. فحين اصطدم، في 2009، تحريم المشاركة في الانتخابات بتحدّيات التحالفات السياسية، انتخب الأسيريّون كلاً من فؤاد السنيورة وبهيّة الحريري، غاضّين النظر عن المحظورات الشرعية. وفي ربيع الصيف الماضي، حين اعلن الاسير «الجهاد» على الجيش اللبناني، لم يلتف حوله أكثر من بضع عشرات راحوا يتناقصون بعد أول اطلاق نار.
وعليه، قد توفر البيئة السنية اللبنانية حاضنة لعنف فردي يكون اقرب الى الجريمة المتفشية في أحزمة البؤس والاهمال منه الى تنظيم عنفي ديني له هيكلية وإطار واضحان. وبمقارنة بسيطة بين أعداد الشبان الموقوفين بجنح وجنايات في منطقة مثل التبانة، وأقرانهم «المتطرفين»، يتبين ان المخدرات وضرب الموس أكثر استقطاباً من الدعوة الى الجهاد.
والى ذلك، فإن التركيبة السياسية اللبنانية «الهشة» ساهمت أيضاً في حماية الطائفة السنّية من زلات من هذا النوع. فلبنان، لم يشهد انقلابات عسكرية أو حكماً ناصرياً أو بعثياً أطبق بقبضة من حديد على السلطة والناس، ما يشتت أي هدف محتمل لذلك الاحتقان الطائفي ما لم يكن موضعياً ومؤقتاً وبمعنى ما انتقامياً (كاستهداف مواقع ل «حزب الله» او لعلويين في طرابلس مثلاً).
هذا وكانت الحرب الاهلية بحد ذاتها قناة لتصريف العنف من خلال احزاب يسارية و «علمانية»، وخرجت منها الطائفة السنّية بمكاسب سياسية كرستها في اتفاق الطائف. ما يجعل تلك المظلومية حديثة نسبياً وغير ضاربة في الذاكرة الجمعية السنّية. أما البيئة الاجتماعية فموزعة بدورها بين مدينتين رئيستين (صيدا وطرابلس) وأرياف مختلطة طائفياً، ما يجعلها أكثر ارتخاءً من أن تنتج نماذج «قاعدية» متينة.
ولعل الاهم من هذا وذاك، ان التشدد الديني- السياسي لا تحتكره في لبنان الطائفة السنّية. ف «حزب الله» الشيعي شكل نموذجاً فريداً في العالم العربي، وهو أيضاً عن «تنظيم اسلامي» متشدد له عقيدة قتالية وقدرات عسكرية كبيرة وقدرات أكبر في الاستقطاب والتجنيد.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.