خلال خمسة أيام فقط شهدت لبنان ثلاثة حوادث إرهابية، كادت تشعل فتيل الحرب الطائفية ،حيث شهدت بيروت حادثتين فيما كانت الثالثة فى البقاع،وكل أصابع الإتهام والتحقيقات تشير إلى التنظيم الارهابى «داعش»، ويكفى أن تسمع جملة «داعش فى شارع الحمرا» مصحوبة بالرعب والخوف من السيارات المفخخة. ومنذ وقوع التفجيرات لايكاد يمر يوم على لبنان دون الحديث والخوف من تفجير ما،بسيارة مفخخة أو باغتيال سريع، فهنا يغتال رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الصحفيون ،ويظل القاتل مجهولا، وإن كانت أصابع الاتهام تشير للفاعلين،والحديث هذه الأيام يدور سياسيا واجتماعيا عن الخلايا النائمة من التكفيريين والجهاديين ومن لديه القابلية للتفجير انتحاريا، معتقدا أنه حجز قصرا لنفسه فى الجنة. والخلايا النائمة فى لبنان كثيرة وأهمها وأخطرها تلك الموجودة بالمخيمات الفلسطينية تليها خلايا سنية منتشرة بربوع لبنان. والخلايا الفلسطينية النائمة موجودة منذ الاجتياح الإسرائيلى للبنان واحتلال بيروت عام 1982 ،ومجازر صبرا وشاتيلا التى راح ضحيتها 4500 قتيل رجالا ونساء وأطفالا،وماأعقب ذلك من خروج ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلى تونس، ووقتها اكتفت لبنان ببقاء الفلسطينيين داخل المخيمات وحرمت عليهم 50 مهنة ووظيفة ،ومنعتهم من الجنسية والتوطين حفاظا على حق العودة،وداخل المخيمات (12 مخيما تضم 400 ألف فلسطيني) عاش الفلسطينيون على حد الكفاف من أعمال دونية ومعونات من منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة،ووسط هذا العيش والفقر المدقع نشأت الحركات الجهادية والتكفيرية تحت عدة مسميات أهمها عبد الله عزام،وساعد على ذلك احتفاظ المخيمات بأسلحتها بعد خروج منظمة التحرير إلى تونس. ومع بروز دور حزب الله فى المقاومة ضد إسرائيل تراجع الدور الفلسطينى فى لبنان،ومع الحصار اللبنانى للمخيمات زادت حدة الجماعات الجهادية والتكفيرية داخل المخيمات حتى حدث الصدام المسلح بينها وبين الجيش اللبنانى فيما عرف منذ سنوات بمعركة نهر البارد التى انتصر فيها الجيش اللبناني،وتم القبض على بعض الجهاديين والزج بهم فى السجون،لتظل النار تحت الرماد فى وجود كل أنواع الأسلحة داخل المخيمات. وعلى الجانب الآخر كانت هناك ولاتزال السلفية الجهادية التى أسسها فى لبنان الشيخ داعى الإسلام الشهال فى طرابلس كبرى مدن الشمال اللبنانى ومعقل السنة خاصة باب التبانة المواجه لجبل محسن حيث يوجد العلويون الشيعة المؤيدون لحزب الله وبشار الأسد،ومع اشتعال الأحداث فى سوريا نشطت خلايا السلفية الجهادية بدعم خليجى ومحلى فى مواجهة جبل محسن ، وخرجت طرابلس عن السيطرة لمدة عامين على الأقل فى حرب متفاوتة الاشتباكات بكافة أنواع الأسلحة بين السلفية الجهادية والعلويين فى جبل محسن. ومما زاد الطين بلة مشاركة حزب الله بصفوة عناصره فى الحرب داخل سوريا إلى جانب قوات الرئيس بشار الأسد، فزادت السلفية الجهادية من قوتها وبدأت جماعات أخرى فى الظهور كان أهمها جماعة الشيخ السلفى أحمد الأسير فى صيدا كبرى مدن الجنوب اللبنانى ومعقل السنة فى الجنوب والممر الوحيد لشيعة الجنوب وحزب الله حيث مزارع شبعا والشريط الحدودى وقوات حفظ السلام الدولية «اليونيفيل» بين لبنان وإسرائيل،ومع اشتداد وطأة المعارك فى سوريا بين المعارضة المسلحة التى يدعمها الخليج والسنة داخل لبنان خاصة تيار المستقبل بقيادة سعد الحريرى، وبين قوات الأسد وعناصر حزب الله،اشتدت قوة الشيخ الأسير فى صيدا خاصة بعد انضمام المطرب المعتزل فضل شاكر إلى صف الأسير ومصاحبته فى كل صلواته وجولاته التى بدأت تجتذب مؤيدين جددا ،اشعلت قوتهم فتاوى وخطب الشيخ الأسير،وهو يتهم علانية حزب الله بقتل السنة فى سوريا بمساعدة بشار الأسد،ووجدت جماعة الأسير صدى كبيرا داخل مخيم عين الحلوة الفلسطينى من شباب السنة الذى يتوق للقتال،فتكونت كتيبة الأسير للقتال شمال سوريا فى مواجهة عناصر حزب الله وقوات الأسد،مما أعطى الأسير قوة ربما مزيفة على المواجهة فأعلن عن تشكيل ميليشيا مسلحة لحماية مسجده بمنطقة عبرا شرقى صيدا وذلك بعد أن اكتشف أن الشقق المحيطة بالمسجد تم تأجيرها لعناصر مسلحة من حزب الله،وحدثت أول مواجهة مسلحة بين جماعة الأسير وعناصر حزب الله بصيدا ،ولكن الجيش وقوات الأمن اللبنانية سيطرت على الوضع بعد ساعات. واستمر الأسير فى التسليح بحجة تأمين نفسه وجماعته ضد عناصر حزب الله الموجودة بالشقق المجاورة لمسجده،حتى حدث الصدام المسلح بين الأسير والجيش اللبنانى وهرب الأسير وفضل شاكر ،ربما إلى سوريا المقاومة أو داخل مخيم العين الحلوة،لتنتهى اسطورة الأسير فى صيدا،وتبقى المخيمات الفلسطينية بلبنان، والسلفية الجهادية بطرابلس،تنتظر الفرصة المواتية للمواجهة أو الانتقام. ومع تقدم تنظيم دولة الإسلام فى العراق والشام «داعش» فى سوريا ،ثم احتلالها شمال العراق ،أبدت القوات الأمنية مخاوفها بناء على تقارير محلية ودولية من خروج الخلايا النائمة من مكامنها ،لارتكاب جرائم جديدة على خلفية ماحدث فى نهر البارد والقضاء على ظاهرة الأسير فى صيدا وحصار السلفية الجهادية على الحدود بين لبنانوسوريا خاصة طرابلس،وذلك انتقاما من قوات الأمن التى تحاصرها ،ومن حزب الله الذى يحارب السنة ويقتلهم فى سوريا على حد زعمهم. وفى ضوء ذلك، استعدت قوات الأمن والمخابرات لمثل هذه التوقعات، وبالفعل صدق ماتوقعته بسلسلة تفجيرات على أيام متقاربة بالضاحية الجنوبية معقل الشيعة وحزب الله فى بيروت - فنشر حزب الله حواجزه الأمنية على مداخل الضاحية الجنوبية وضبط أكثرمن مرة سيارات بها أسلحة ومتفجرات،ومع ذلك وردت معلومات لقوات الأمن أن هناك عمليات تفجيرية قادمة تستهدف شخصيات كبيرة فى لبنان بهدف إحداث هزة نوعية موازية لما يحدث فى العراق ،فأخذت قوات الأمن والجيش وحزب الله الحيطة،وداهمت أحد فنادق شارع الحمرا لتقبض على أكثر من 17شخصا من جنسيات عربية كانوا يجهزون لتفجير مؤتمر لحركة أمل برعاية نبيه برى رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الشيعية وحليف حزب الله. وبعدها بساعات تتعقب قوى الأمن سيارة دفع رباعى حتى منطقة ضهر البيدر بالبقاع اللبنانى فيفجر قائدها نفسه ويقتل اثنين ويصيب أكثر من عشرين آخرين، وتكتشف قوى الأمن أن الانتحارى كان فى طريقه لاغتيال اللواء عباس إبراهيم مدير الأمن العام اللبنانى الذى قاد عملية القضاء على جماعة الأسير فى صيدا، وبعدها بثلاثة أيام، وبينما كان عشاق كرة القدم يكتظون بأحد المقاهى بمنطقة الطيونة بالضاحية الجنوبية لمشاهدة مباريات كأس العالم ،حيث معقل الشيعة من حزب الله وحركة أمل ،فجر انتحارى سورى نفسه وسيارته القديمة عندما حاول حاجز للجيش أن يستوقفه لسيره عكس الإتجاه،فقتل شخصا من قوى الأمن وجرح آخرين،لتسهر بيروت حتى الصباح على وقع الانفجار الذى لو كان حدث كما أراد منفذه لأزهق أرواحا كثيرة. ومابين الخلايا النائمة بالمخيمات الفلسطينية والجاهزة للانقضاض فى أى وقت ،وبين خلايا السلفية الجهادية ومؤيدى داعش ،تعيش لبنان، خاصة بيروت، حالة من الهلع والخوف من حدوث تفجيرات بسيارات مفخخة كعادة حوادث لبنان القاتلة أو اغتيال شخصيات كبيرة قد تشعل الفتنة والحرب المذهبية بين السنة والشيعة فى أى لحظة.