مع بدء رمضان كل عام تطرح الأسئلة الكثيرة التى ننتظر الإجابة عنها: متى سنصوم؟.. وهل نصوم حسب التوقيت الفلكى أم لرؤية الهلال؟.. وهل سنصوم مع المملكة العربية السعودية أم لا؟.. وهل ستسبقنا السعودية فى الصيام أم نحن؟.. أم سيكون الصيام معاً؟.. كل هذه الأسئلة تجول فى خاطرنا، خاصة بعدما ثار الجدل بين العلماء حول توحيد الأهلة، خاصة هلال شهر رمضان. وفي هذا الصدد تبرز فكرة «توحيد الأهلة» وهى توحيد أوائل الشهور العربية، وأن تصوم الأمة الإسلامية جميعها فى يوم واحد، ويرى بعض العلماء أن الهدف من «توحيد الأهلة» هو تقوية الوحدة الإسلامية، استناداً إلي تلخيص الإمام النووي فى شرحه لصحيح مسلم (ج ص 188 197) يمكن القول إن هناك ثلاثة أقوال أساسية هى: القول الأول: إن لكل بلد مطلعه، فلا تُلزم رؤية بلد بلدًا آخر، قرب أو بعد. القول الثاني: إن رؤية أي بلد تلزم كل بلاد الأرض، ولو تباعدت. القول الثالث: إن رؤية أي بلد تلزم البلد القريب منه أو المتفق معه. نجد أن القرار السابع للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة أكد موقفاً محدداً بالقول: لا حاجة إلى الدعوة لتوحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي، لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم كما يتوهم كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد. وأن تترك قضية إثبات الهلال لدور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة، وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها هو اتفاقهم على العمل بكتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في جميع شئونهم. أما ما يدعيه القائلون من وجوب الاتحاد في يومي الصوم والإفطار فهو مخالف لما جاء شرعًا وعقلاً، فهذا غير صحيح لأن شرعًا فقد أورد أئمة الحديث حديثَ كريب، وهو أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل علي شهر رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم في صحيحه) فى حديثه الشريف «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلاثين» فيأخذ البعض بالقول الثانى والثالث الذى ترجمه «الإمام النووي» فى المذهب الشافعى على هذا الحديث في شرحه. وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دون غيرها، لما جاء في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا حتَّى تَرَوُا الهلال، ولا تُفطِروا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ عَلَيكُم فاقْدُروا لَه». رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. فهذا الحديث علق الحكم بالسبب، الذي هو الرؤية. وقد قرر العلماء من كل المذاهب: أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقد روى ابن عبدالبر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان: كخراسان من الأندلس، ولكل بلد حكم يخصه. ونظراً إلى الاختلاف حول هذا الامر وكلا منهم له الادلة التى تثبت صحة كلامه، فالأمر متروك لحرية كل دولة اسلامية ما تراه بواسطة علمائها، ورغم ما في توحيد الأهلة من فائدة، إلا أنه قد يجر الخلاف الذي قد يتجاوز نفعه.