كان يفترض أن أعقب على ما أذيع عن انفراجة فى مشكلة سد النهضة الاثيوبى، عقب لقاء الرئيس السيسى ورئيس وزراء اثيوبيا.. ولكن لم تصل إلينا تفاصيل ما جرى، حتى الآن.. وكذلك كان يفترض أن أعقب على رأى الدكتور إبراهيم فوزى وزير الصناعة السابق وورقته حول هذا السد.. ولكننى وعدت القارئ أمس أن أعود إلى الماضى.. وأن آخذ بيده إلى زمن كان عظيمًا حول رمضان، أيام زمان.. وفضلت أن أفى بوعدى.. فقد مللت من حديث السياسة وهموم السياسة، لذلك تعالوا إلى هدنة قصيرة ننحى فيها بلاوى السياسة جانبًا.. ونتحدث عن شهر الصيام، الذى يبدأ اليوم، وهو حديث ذو طعم لذيذ.. سيما وأنه يتناول ما كنا نأكله فى رمضان.. زمان وما ألذ ما كنا نأكله.. أيامها. بداية لا أعرف سر عشق المصريين والدمايطة بالذات لأن يكون إفطارنا، أول أيام الصيام على «أكلة بط.. وياسلام على البط.. وأكل البط وهو قطعًا غير بط الدكتور مرسى الذى كان يهوى تناوله يوميًا على أرضية أفضل غرف قصر الرئاسة!! والبط أنواع.. يعرف البعض منه البط البلدى، ويطلق عليه البعض: البط الدمياطى ليس بسب بنوعه.. ولكن بسبب طقوس اعداده، وحشوه.. وما يصاحبه. ولكن الدمياطى يفضل نوعًا معينًا من البط، فإذا كان يهوى عمل صينية رقاق، ويطلق عليها الدمايطة القدامى «أممة» فإنه يفضل البط المرجان كثير المرق.. وكثير الدهن.. لزوم الرقاق.. ويكون حشو الرقاق باللحم المفروم.. الغارق فى «مرقة» أى شوربة البط شديد الدسم.. وهذا النوع من البط «المرجان» ثقيل الوزن.. ويفضل الدمياطى ألا يقل وزن الواحدة قبل الذبح عن أربعة كيلو جرامات.. وربما خمسة!! وهو نوع كثير الدهن، ليس فقط فى الجلد وما تحته.. ولكن ما هو بين «الفصوص» أى اللحم شبه الصافى فانه يفضل دكر بط سوداني.. لأن هذا النوع كثير اللحم، قليل الدهن.. وكلا النوعين يحرص الدمياطى على «حشوه» بالمارتة.. وتصنع من البصل ونكثر عليه من الكمون وجوزة الطيب والبهارات.. ومنهم من يضيف الزبيب على أساس نظرية «الحلو والحادق». أما البط المهاجر الينا من شمال أوروبا فهو أنواع منها: البلبول والغر والزرقاى والحمراى والشرشير ومنها الخضيرى والجمري. فهذه وغيرها من السمان والعصافير.. فإن لها وصفات أخرى لإعدادها.. بل وطقوسها لتناولها!! ويحرص الدمياطى على أن تجتمع الأسرة كلها على مائدة واحدة، فى اليوم الأول من رمضان.. فما أحلى «اللمة» على طبلية العيلة أو مائدة الأسرة أو مثل هذه المناسبة.. خصوصاً أن الست الدمياطية تستخدم نصف شوربة البط لطبخ الأرز، لتزيد الشوربة من «نكهة» البط عليه.. بما بها من مستكة وحبهان وجوزة الطيب والبهارات.. وبصل!! ولن أحدثكم عن باقى محتويات إفطار اليوم الأول من الصيام، لأن المائدة الدمياطية غنية للغاية بالمشويات والمحمرات وتوابعها.. وياسلام على «زلمكة» البطة!! ثم.. لماذا دائماً كان لصينية الكنافة الدمياطية بالجبن الحلوة أو الكريمة وتعلوها طبقة المكسرات.. وتطبخ فى.. الفرن البلدى!! ومازال طعم «خرطة» الكنافة هذه فى فمى حتى الآن.. هى والقطايف.. التى تبرع الست الدمياطية فى إعدادها بأنواعها ومنها العصافيرى.. أو عادية الحجم ونوع الحشو.. وكله حسب إمكانيات كل أسرة.. وكله يتم اعداده فى البيت وكيف كانت كل أسرة تحرص على إعداد كميات كبيرة من النوعين مع التسالى لكى «يدوق» الجيران والحبايب «عمايل» ربة البيت. وعن التسالى مازلت أتذكر حكايات أمى، وكان والدها من تجار الياميش، وكيف كانت تختار نوعًا من التمر هو السكوتى طويل البلحة مكتنز اللحم كثير السكر، لونه يقترب من الأسود ثم «تغلق» الواحدة وتخرج النواة وتضع مكانها حبة من الفستق.. وواحدة من الصنوبر.. وربما أيضًا عين جمل ثم تطبقها.. وتضعها فى فمها.. يا سلام على المزاج، ويا سلام على التسالى ما بين الافطار والسحور. وعلى ذكر السحور.. يأتى ذكر المسحراتى. عم سليمان الذى كان يسحرنا فى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى.. ومعه ابنته تقود يده وباليد الأخرى تحمل الفانوس.. لينير لهما الطريق.. وغدًا نتحدث عن عم سليمان مسحراتى حارتنا.. وعن الفانوس المصنوع من الصاج والزجاج الملون.