نظراً لما مرت به البلاد منذ اندلاع أحداث 25 يناير، والتدهور الذى نال من أوصالها، كاد يفتك بها وبنا بالطبع معها فإن المرحلة المقبلة حساسة وصعبة لأبعد مدى ولعل أهم ما نحتاجه فيها كخطوة أولى هي محور كل مانبغي من أمان وازدهار اقتصادي، وقبل كل ذلك إحساس بمصريتنا، أعني الاهتمام بالأمن القومى المصرى الذى يأتي في مقدمته الأمن الداخلى المتمثل فى الحد من البطالة والعشوائيات والفقر والجهل، وربما يمكننا ذلك أكثر من القضاء على ما يحيكه لنا كارهو هذا الوطن والحاقدون على هذا الشعب من أعمال العنف والإرهاب، وأيضا من يتوهمون إعادة إنتاج الفساد. إلاّ أن الافتقار للكوادر الفعالة التى تستطيع إعادة بناء الفكر والوعى الذى تلوث وتلوّن فى السنوات الأخيرة، هو الأمر الأكثر خطورة من وجهة نظري، وثانيا التنبه، بل المواجهة الجادة لما يحيط بالأمن الخارجى الواضح فى محاولة سيطرة الولاياتالمتحدة بالتدخل «وببجاحة» فى شئون الدولة وتربص اسرائيل الدائم، كل هذا يجعل من السعي الدائم بل العمل ليل نهار لتأمين حدودنا التى باتت مصدر قلق، عملاً بطوليا بامتياز، ليس فقط لأنها باب لدخول السلاح والمخدرات، بل لأن أعداء ثورتنا واستقلال قرارنا سيظلون مناوئين لنا باستمرار، عبر استخدامهم كثيراً من الخونة وتوابع الإخوان والقاعدة الإرهابية، إضافة إلى حروب القرن الجديدة وهى حرب المياه وحصتنا من مياه النيل، إن كل هذا ليس بهين أبدًا ويلزم سياسة واستراتيجية دقيقة محترفة، تنظر إلى الأمام أكثر من النظر تحت الأقدام، و على المستويين الداخلى والخارجى لابد من اختيار إدارة قادرة على التعامل الحصيف والناجز مع المستجدات وكيفية مواجهتها، فبالنسبة لمؤسستي الدولة، القوات المسلحة وأجهزة الشرطة، وهما تعتبران العمود الفقرى لإعادة الأمن والأمان داخل المجتمع وخارجه وأحد أهم الأبعاد الرئيسية للاستقرار فيلزمها التجهيزات اللازمة من إعادة هيكلة للجهاز الشرطي بأيدي وعقول أبناء الشرطة أنفسهم، وليس من خارجهم، لأن صاحب البيت أدرى بطرق تنظيفه وترتيبه، وليس من مهمة على الدولة أكثر من تسليح ضابط وجندي الشرطة للدفاع عن نفسه ضد أى عنف أو إرهاب وعلى أساس خدمة المواطن وأمنه دون تنفيذ أو الاكتفاء بتحقيق أمن النظام الحاكم، لأنه إن تحقق أمن المواطن وكفايته وحقه في التعبير عن رأيه وما تتوق إليه نفسه في حدود الوطنية وليس تبعا لأجندات خارجية أو مجرد معارضة للمعارضة وهو الهدف الأول والأخير، سيتحقق بالتالي أمن أى نظام حاكم الى جانب دعم القدرات العسكرية بالتحديث والتكنولوجيا وتنوع مصادر التسليح الحديت لتحقق الاستقلالية التامة مما يعنى استقرار الأمن داخل الدولة وخارجها. وعلى الرئيس أن يلتزم بمبادئ المصارحة والمكاشفة لمواجهة المشكلات وكيفية حلها خاصة الاهتمام بالبعد الاقتصادى والاجتماعى ومشاركة حالة تفهم الشعب المصرى الأوضاع المتدهورة واستعداده لتحمل والمشاركة في تقديم الحلول ولو على المدى البعيد، وكما رأينا فى الأيام الماضية حبا لمصر جارفا غير عادي من أبنائها وهو ماتمثل في إرادتهم الفولاذية للخروج من نفق مظلم الى مستقبل أفضل تنيره قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، خاصة بعد حكم الإخوان وما سبقه من فساد وهو ما تمت إزاحته بخروج الشعب التاريخى فى 30 يونية فجيناته وفطرته المصرية هي التي حفظته من السقوط في بئر الأوهام وهاهو اليوم يلتف حول زعيم يعلى من المصلحة الوطنية فوق أى اعتبار أو أشخاص، لم ينظر للأمن المصرى فقط فحسب بل الأمن القومى المصرى العربى، وعلينا أن نساند الرئيس، ليس بالشعارات أو بكلام عاطفي، لكن بما تتطلبه المرحلة من عمل جاد وتصدٍ لأى فكر دخيل يحاول لفت أنظارنا عن البناء والجد، ولعل خروج الشعب المصرى بالملايين للانتخابات كان خير دليل على نسيانهم للماضي بكل سلبياته، متوسلين بذكائهم توصيل مجموعة رسائل أهمها الشكر لقواتنا المسلحة التى أنقذت البلاد والشعب من مخالب الإخوان وتنظيمهم والاستجابة لنداء الواجب وحب الوطن ورسالة عرفان لشهداء الجيش والشرطة الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم بكل شجاعة أمام الإرهاب الأسود، ولا ننسى شهداء الثورة الأجلاء وأرواحهم الطاهرة الصادقة التى قدموها فداءً لتحقيق العيش والحرية والكرامة الإنسانية.