دخلت "داعش" العراق وقبلها كانت قد دخلت سوريا . ومن قبلها دخلت عشرات التنظيمات المتطرفة وتحركت يميناً وشمالاً ليس فقط في سورياوالعراق بل في ليبيا واليمن أيضاً . ولم تنج مصر وتونس من نشاطات الجماعات المتطرفة ومن قبلها عانت الجزائر ما عانته . ما فتح جرح في بلد عربي أو مسلم إلا وبقي مفتوحاً ينزف دماً وتلوثاً وحقداً وتقسيماً وشقاقاً . يمكن إلقاء اللوم على الخارج وهو ملوم أصلاً منذ "سايكس بيكو" ووعد بلفور وإقامة الكيان العنصري اليهودي في فلسطين ودعم كل حروب "إسرائيل" العدوانية على العرب واحتلال أراضيهم . هذا مما لا يمكن تجاهله ولا تبرئته حتى قيام الساعة . غير أن العرب والمسلمين ما عرفوا الطريق إلى إقامة دولتهم أو دولهم الوطنية بما يضمن استقرارها وديمومتها ونماءها وازدهارها ورفاهيتها وبالطبع وقبل كل ذلك كرامتها وسيادتها واستقلالها الفعلي . لم تنجح معظم الدول العربية والإسلامية في إقامة دولة لجميع أبنائها . لقد فهموا أن الدولة - الأمة هي دولة العرق الأكبر . فكانت عنصرية القوميات الكبرى ضد القوميات الصغرى . ولم تقصر النخب الوطنية الحاكمة على النزعة القومية بل تعدتها إلى ممارسة نزعات دينية ضد غير المسلمين كما حصل في السودان ومصر وغيرهما . غير أن الطامة الكبرى كانت في تغليب وسيادة النزعات المذهبية داخل القطر الواحد، وداخل المجتمع الواحد . وهو ما يمكن اعتباره خطأ تاريخياً وخطاً أحمر عريضاً . ذلك أن التنوع المذهبي في العالمين العربي والإسلامي هو نتيجة تنوع الاجتهادات الموجودة حتى داخل المذهب الواحد وهو تنوع يقسم المسلمين إلى عشرات الفرق المذهبية ويعكس غنى الفكر والتجربة . غير أن تحويل هذا التنوع والغنى مع الزمن إلى عامل انقسام وعداء وسفك دماء فهذا هو عين الكارثة التي بتنا نشاهدها وأدمنّا على رؤيتها يومياً منذ عقود ولا سيما في السنوات الأخيرة، بل اعتدنا عليها ولم نعد نلحظ المسافة التي قطعناها من مثال وحلم الدولة الوطنية العادلة والمتقدمة إلى واقع الكيانات المتناسلة والمتناحرة على أسس عشائرية ومناطقية وإتنية ومذهبية بحيث تشظت الكيانات القطرية إلى كيانات اجتماعية وبات المجتمع الواحد مجتمعات والمدينة الواحدة أحياء شكلت مدناً صغيرة . وقد اصطبغ هذا التشرذم وللأسف بدم حقيقي سال أنهاراً في وقت شحت فيه مياه الفرات ودجلة وسرقت مياه النيل من دول صغيرة . إن ما يجري في سورياوالعراق يجب أن يدق ناقوس خطر، كان يجب أن يدق منذ عشر سنوات، أي منذ أن سمحنا للاحتلال الأمريكي والغربي أن يأتي ويضرب ويحتل العراق . ذلك أن أي نظام مهما كان مستبداً هو أفضل من أي غزو خارجي مهما كان رحيماً وهو لا يمكن أن يكون رحيماً ولو بنسبة صفر في المئة . والخطأ التاريخي في استدعاء الأمريكي والغربي إلى العراق تكرر لاحقاً في ليبيا عندما غزاها حلف شمال الأطلسي ليقتلع نظام معمر القذافي ، فإذا بليبيا على ما هي عليه الآن . كل ثروات الدول المحتلة من العراق إلى ليبيا وغيرهما هي الآن تحت نهب الشركات الخارجية التي جاء بها التدخل الخارجي وتركها خلفه لسرقة ثروات الشعوب وإنشاء نخب جديدة عميلة فاسدة في تكرار أسوأ بكثير لما فعله بعد خروجه من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية حيث ترك الدول المستقلة حديثاً بيد نخب طائفية وعرقية فاسدة سمتها الأهم الارتباط بالخارج . "داعش" في العراق وقبلها في سوريا والنزعات الإتنية والمذهبية إلى تصاعد . والخطر الأكبر هو في "الدواعش" الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والفردية التي تعشش في دواخل مجتمعاتنا . المشهد للأسف قاتم . لكن التاريخ لا يعرف أفقاً مسدوداً بالمطلق ولا بد من أن تنفتح نوافذ وربما أبواب واسعة تعيد الأمل بوطن عربي واحد وعادل وله مكانة تحت الشمس . نقلا عن صحيفة الخليج