استطاعت مصر خلال الأيام القليلة الماضية استكمال المرحلة الثانية من خارطة المستقبل السياسي التي توافق عليها وأقرها الشعب المصري وهي الانتخابات الرئاسية والتي سبقها الاستفتاء على الدستور ويعقبها خلال الأشهر القليلة القادمة الاستحقاق الثالث والأخير وهو انتخابات المجلس النيابي وذلك حتى تتمكن مصر من استكمال المؤسسات الغائبة والتخلص من الفراغ المؤسسي وعدم الاستقرار الذي عانت منه خلال أكثر من ثلاث سنوات شهدت سقوط نظامين وسقوط دستورين والقبض على رئيسين واندلاع ثورتين، ويمكن القول إن استكمال الخطوة الثانية في خارطة المستقبل والمتمثلة في وجود رئيس للجمهورية منتخب لا تعني زوال المصاعب حيث إن الرئيس بمجرد تنصيبه يواجه بالضرورة العديد من الملفات والتحديات المهمة التي يواجهها الوطن على مختلف المستويات الداخلية والإقليمية والدولية سواء كانت ذات طبيعة اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو تهديدات للأمن القومي المصري ويمكن الإشارة إلى أهم هذه التحديات والملفات فيما يلي:- أولا: ملف سد النهضة أو ما يمكن أن نطلق عليه ملف مياه النيل، حيث يشكل نهر النيل ومنذ آلاف السنين شريان الحياة بالنسبة لمصر منذ الدولة الفرعونية القديمة وحتى الآن وفي المستقبل ولذلك فإن نهر النيل بالنسبة لمصر هو ضرورة حياة وبقاء واستمرارية ويعتبر من أهم ركائز ومقومات الأمن القومي المصري وقد طرح النهر آثاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المجتمع المصري وقيمه وثقافته واقتصاده منذ آلاف السنين ولذلك كان النهر ومياهه يأتي دائما على قمة أولويات واهتمامات السياسة المصرية، ولذلك يكون من المرغوب فيه ضرورة التوصل إلى حل لمشكلة سد النهضة مع الجانب الإثيوبي ووفقا للاتفاقات والمعاهدات المختلفة التي تحكم نهر النيل باعتباره نهرا دوليا وكذلك وفقا لطبيعة المبادئ التي تحكم العلاقات بين دول المنبع ودول المصب بالنسبة للأنهار الدولية وبما لا يؤثر بأي حال على حصة المياه الواردة إلى مصر والمحددة بموجب اتفاقات بين دول حوض نهر النيل، وربما يحتاج الأمر إلى تحرك سريع من جانب الرئيس في هذا الملف لأن مرور الزمن ليس في المصلحة المصرية ويمكن أن يكون المبدأ العام هو الفائدة والمصالح المشتركة سواء لإثيوبيا أو لمصر أو لدول حوض النيل ككل وبحيث يصبح النهر مصدرا للتعاون بدلا من أن يكون مصدرا للصراع فمصر في شديد الاحتياج إلى مياه النهر باعتبارها دولة مصب ويوجد بها عدد سكان ضخم وبحيث لا يكون من المقبول الانتقاص من حصتها من المياه، بينما إثيوبيا لا تعاني مشكلة في المياه ولكنها تحتاج إلى الكهرباء ولذلك يصبح التساؤل لماذا لا يتم التعاون المشترك بين مصر وإثيوبيا ودول حوض النيل ودول متقدمة وصديقة على إنشاء مشروعات من شأنها توليد الكهرباء دون المساس بالحصص المقررة من المياة للأطراف المختلفة؟ ثانيا: ملف الأمن والاقتصاد، حيث من الصعب الفصل بين الأمن والاقتصاد وبينهما ارتباط وثيق فمن المرغوب فيه تحقيق الأمن في الشارع المصري في أقصر فترة زمنية ممكنة والقضاء على الإرهاب وبحيث يشعر المواطن بالأمن الحقيقي وعدم وجود تهديد لحياته أو ممتلكاته، وينعكس الأمن بالضرورة على الجوانب الاقتصادية ومدى القدرة على استقطاب رأس المال الأجنبي والمستثمرين والسياحة، فكما يقال في المصطلحات الاقتصادية إن رأس المال جبان أي إنه لن يتدفق على منطقة تعاني من اختلال الأمن أو أعمال العنف أو عدم الاستقرار السياسي، وينطبق ذلك أيضا على السياحة، وربما يمكن إثارة تساؤل مهم في هذا الصدد وهو لماذا لا تكون السياحة أحد المشروعات القومية لمصر حيث تمتلك مصر العديد من المزايا السياحية المهمة سواء من حيث المناخ أو المعالم السياحية أو الطبيعة الجغرافية وغيرها من عوامل الجذب السياحي، وخصوصا أن السياحة يمكن أن تكون قاطرة للتنمية نظرا لتأثيرها على مختلف مكونات النشاط الاقتصادي. ثالثا: ملف استعادة هيبة الدولة مع احترام حقوق المواطنين، فخلال فترة تقارب الثلاث سنوات ونصف من الزمان تراجعت إلى حد ما هيبة الدولة ومؤسساتها وبدأت تظهر مخالفات قانونية صارخة ومتزايدة ومن ذلك على سبيل المثال الفوضى المرورية وظاهرة البناء في الأراضى الزراعية ومخالفات البناء بصفة عامة وظاهرة الاستيلاء على ممتلكات الدولة أو الممتلكات الخاصة، وفوضى الباعة الجائلين والذين احتلوا الطرق والميادين بطريقة عشوائية، كذلك انتشرت في الشارع المصري ظاهرة لم تكن مألوفة من قبل وهى ظاهرة البلطجة ويتطلب الأمر مواجهة هذه الظواهر التي تمثل خروجا على القانون بكل حسم من جانب الدولة مع توفير الحلول المناسبة للعلاج، فظاهرة الباعة الجائلين على سبيل المثال يمكن حلها من خلال إيجاد أسواق خاصة بهم في مناطق معينة وبتسهيلات من الدولة لعلاج هذه المشكلة والمطلوب في جميع الأحوال تحقيق هيبة الدولة وسيادة القانون دون تهديد لحقوق وحريات المواطنين وفقا للقانون. رابعا: تنفيذ البرنامج الرئاسي، ويقصد بالبرنامج الرئاسي تلك الأفكار والخطط التي طرحت خلال حملة الانتخابات الرئاسية، ويتطلب الأمر تحويل هذا البرنامج إلى سياسات وتشريعات وقوانين يشعر بها المواطن العادي ويشعر بأن حياته تتأثر إيجابيا نتيجة لهذا البرنامج وما ينطوي عليه من أساليب لمكافحة الفقر والبطالة وتحقيق المشروعات القومية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق وتنفيذ البرنامج الرئاسي، ويتطلب الأمر تكاتف الجهود والتعاون المشترك بين الرئيس والمؤسسات القوية والشعب وبين الحكومة والمعارضة لتحقيق الأهداف التي ينطوي عليها البرنامج الرئاسي وخصوصا تلك الأهداف التي لا يوجد حولها خلاف في وجهات النظر أو خلاف بين الاتجاهات السياسية المتعددة مثل مكافحة البطالة ومكافحة العشوائيات والمشروعات القومية التي تحقق فائدة المواطنين جميعا. إن التحديات كثيرة والملفات متعددة ولكن نثق في قدرة الرئيس والشعب والمؤسسات من خلال تعاونهم المشترك على التغلب على هذه الصعوبات وتحقيق أهداف الشعب المصري وطموحاته والاستجابة الناجحة للتحديات التي تواجه الوطن.