بعد شهور ليست بالغة الطول – وإن كانت أيضا غير مفرطة القصر – من توليه رئاسة وزارة تعد الأكثر حرجاً وأهمية عبر تاريخ الوزارت المصرية خلال نحو قرن ونصف مضي، يستعد المهندس إبراهيم محلب ومصر كلها معه لمعرفة قرار المشير السيسي المتعلق باسم الرئيس المقبل لوزارة جديدة تدير البلاد لأشهر قلائل مقبلة. ربما لا توجد معارضة تذكر حول نجاح «محلب» في مهمته بشكل إجمالي ولكن الاختلاف – كل الاختلاف – حول نسبة هذا النجاح وحول نسبة الأخطاء الرئيسية التي كان من الممكن تداركها وعدم الوقوع فيها، وشخصياً فإنني أعتقد أن «محلب» كان مثل مدرب محترف نجحت فرقته أن تفوز علي الخصم بأربعة أهداف – مثلاً – مقابل هدفين في حين كان من الممكن أن تفوز فوزاً تاريخياً بستة أهداف مقابل هدف واحد.. في الحالتين فازت الفرقة واقتنصت النقاط الثلاث ولكن الفوز الأول غير لافت للنظر عكس الفوز الثاني الذي سيسجله التاريخ للمدرب والفريق الذي ربما يحصد البطولة في نهاية الموسم بسبب فارق الأهداف. ساعدتني معرفتي الشخصية ل«محلب» الذي أزعم أنني قارئ جيد لفكره وأسلوبه في الإدارة ومتابعة الأزمات، ساعدتني هذه المعرفة علي وضع إطار عام للجهود ومن ثم النتائج المتوقعة منه ومن فريق عمله منذ توليه لمنصبه، ولأنني أدرك مثل سائر العاملين في المقاولون العرب أنه لا يعشق شيئا قدر عشقه للعمل الجاد ولا يستمتع بشيء قدر تمتعه بحصاد النجاحات، فقد توقعت نتائج إيجابية غير مسبوقة ولكنني الآن أعترف ان هناك خللا ما في هذه التوقعات التي يعلم «محلب» أنها لم تخب معه قط من قبل! وإن كنت لا أدري هل يرجع الخلل الذي لم يصل حجمه بالطبع إلي حد الصدمة، إلي ارتباك «محلب» مع قصر مدة وزارته – وفي رواية اخري عدم طولها! – أم يرجع إلي إفراطي في حب الرجل وهما – الإفراط والحب – اللذين دفعاني إلي المبالغة في توسعة إطار الأحلام والتوقعات 0 حصاد ونتائج الوزارة المحلبية - سلباً وإيجاباً – سجلته عندي منذ اليوم الأول للوزارة في مئات الصفحات التي رصدت ثم حللت ما طالته يدي من معلومات موثقة إعلامياً بدءا من طلاء مباني الوحدات المحلية بالقري وانتهاء بنتائج الجولات الدولية والعلاقات الخارجية، وهي صفحات لا تضم سوي عناوين ثلاثة هي النجاحات الكاملة ثم النجاحات المنقوصة وأخيراً الإخفاقات التي أعتقد أنها أكثر ما يهم «محلب» خاصة إذا استمر – وأحسبه سيفعل – في الوزارة المقبلة لأنها هي التي ستعينه علي معاركة هموم ملح الأرض من الحرافيش.. ملايين الفلاحين شبه المعدمين أو المعدمين تماماً في كفور الدلتا ونجوع الصعيد وعمال اليومية والصنايعية الأرزقية وبسطاء الموظفين.. ساكنو القبور والعشوائيات ومساكن عبدالناصر الشعبية التي اهترأت الآن وتهالكت والمهمشين في الحارات والأزقة.. لا أقول إأن «محلب» ابتعد عن كل هؤلاء ولكنه لم يقترب منهم بالقدر الذي كانوا يتوقعون ويأملون رغم عشرات الزيارات الميدانية المفاجئة بحق لموقع هنا أو مشروع هناك، الزيارات في حد ذاتها رائعة ولكن كان الأكثر روعة تحقيق نتائج سريعة مباشرة يشعر بها عشرات الملايين تتمثل في رغيف عيش يقترب من الآدمية أو أنبوبة بوتاجاز بشكل اكثر يسراً أو فاتورة كهرباء عادلة وعقلانية أو مقعد في مدرسة قريبة من غير قائمة طلبات صعبة أو قضاء مصلحة في جهة حكومية بلا واسطة.. أعرف أن هذه النتائج ومعها عشرات غيرها من الحقوق البسيطة المشروعة تحتاج إلي وقت غير قصير يبدأ من بدء وضع نظام عمل محكم ومدروس يمكن متابعته ورقابته وإصلاح تجاوزاته بسرعة ولكننا كنا نتوقع من «محلب» أن يبدأ في عصره ضخ الخدمة التي نستحقها وان نسمع صوت صفير وبشائر تدفق مياه الاصلاح في مواسير الحياة بعد طول انقطاع. زيارة مجمع استهلاكي أو مستشفي ومعاقبة مسئول مقصر أو حتي استبعاده خطوة كانت تحتاج إلي خطوات مكملة تطول كل مؤسسة في مصر من خلال وضع – أو تفعيل – لوائح وقوانين تنظم وتحكم منظومة العمل الخدمي ككل فليس في استطاعة أي رئيس وزراء أو وزير أو محافظ أن يزور عشرات الألوف أو ألوف أو حتي مئات الجهات التابعة له جميعاً ومحاسبة كل مكان علي حدة ولكن المطلوب والمستطاع هو استعادة القانون وهيبته ثم تأتي الزيارات المفاجئة لقطع رقبة المسيء أو مكافأة المتميز. إبراهيم محلب الذي أعرفه لم أره في شركات ومصانع قطاع الأعمال ولم أعاين له جراحة واحدة كاملة أجراها هنا أو هناك بل كان كل ما رأيته مسكنات وحلولا وقتية كانت نتيجتها استمرار التخبط والترقب بشكل موجع يدمي القلوب وزاد الظلم والفساد وتغولا أكثر مما كان في عهد «مبارك» و«مرسي» وتحول غير قليل من شركات قطاع الأعمال إلي عزب خاصة تدار بالطريقة العثمانلية وهي حلب الضرع حتي ينزف الدم ولدينا الآن عشرات من الكيانات العملاقة والمتوسطة بل وحتي الصغيرة علي وشك الانفجار في وجه الرئيس القادم متجاوزة أي سيطرة أمنية. نتمني أن تبقي يا «محلب» عزيزاً لمصر ورئيساً لوزارتها خلال الأشهر القلائل المقبلة حتي تساعد المشير وتصلحا معاً بعض ما أفسده الدهر والفساد في بر مصر ونتمني ان تتخلص من قيد ونظم «المقاولون العرب» التي لا تناسب غيرها والتي كانت عباءتها تناسبك في مرحلة معينة من تاريخك الوظيفي ولكنها الآن ضاقت عليك بما رحبت فارتد عباءة مصر وعد الينا كما عرفناك وعهدناك وها هو الشوط الثاني من المباراة – أو هكذا أظن – علي وشك البدء فاحرز ما استطعت من أهداف لمصر ولنا ومن قبلنا جميعا.. لك .