«الصديق.. وقت الضيق» مثل عربي أصيل.. عملي وليس مجرد كلمات. هكذا هو موقف أكبر صديق عربي لمصر، الصديق الوفي.. السعودية: ملكاً وشعباً.. قلباً وقالباً. ومعها دولة الإمارات وحكامها الأصلاء أبناء زايد بن سلطان وراشد آل مكتوم.. وكذلك الكويت الوفية، قليلة الكلام كثيرة العمل. ولكن ما لفت نظري في برقية الملك عبدالله- خادم الحرمين الزاهد- هو هذه الدعوة الجادة- لكل الأشقاء والأصدقاء- للوقوف بجانب مصر، حتي تعبر ما فيها من أزمة وضيق.. تلك الدعوة التي انطلقت من منبع الإسلام. أرض الكعبة المشرفة.. وقبر رسول كريم.. دعوة لمن يريد الوقوف بجوار مصر، وهي تعبر هذا الخندق الخطير. وتعيد دعوة عاهل السعودية إلي الأذهان فكرة مشروع مارشال الأمريكي لمساعدة دول أوروبا التي دمرتها تماماً قوات «هتلر» النازية.. حتي تصمد أمام القوة الشيوعية الصاعدة بقيادة الاتحاد السوفيتي. وصاحب هذه الفكرة هو الجنرال جورج كاتليت مارشال. أطلقها عام 1947 عندما كان وزيراً لخارجية أمريكا حتي عام 1949. ولأنه كان قائداً عسكرياً كبيراً خلال الحرب الثانية وكان رئيساً لأركان حرب الجيش الأمريكي طوال هذه الحرب. وكان مسئولاً عن بناء وتسليح وإمداد قوة قوامها 8 ملايين وربع مليون جندي وطيار. وحاول إنقاذ شيان كاي شيك قائد تايوان خلال مهمته سفيراً غير العادة لأمريكا عام 1945.. ولكنه عاد إلي أمريكا ليتولي وزارة الخارجية في عهد الرئيس هاري ترومان. وبسبب فهمه العميق لمعني بقاء أوروبا مدمرة تحت تصرف موسكو.. أخذ جورج مارشال يحث مجلس النواب الأمريكي ليوافق علي برنامج لإنعاش الاقتصاد الأوروبي. بل انه اهتم بمساعدة اليونان وتركيا وإمداد برلين التي حاصرها الشيوعيون بالطعام والأدوية. ونجح الجنرال جورج مارشال في إقناع الكونجرس الأمريكي بمزايا مشروعه الذي يستمر لمدة 5 سنوات.. أي من 1947 إلي 1952 علي أن تقدم أمريكا لدول أوروبا المقصودة «17 دولة» حوالي 12 مليار دولار سنوياً ولمدة خمس سنوات وهو المشروع الذي عرف باسمه: مشروع «مارشال».. وبسبب هذا المشروع حصل جورج مارشال علي جائزة «نوبل» للسلام عام 1953. إذ نجح هذا المشروع في إعادة إعمار أوروبا الغربية التي دمرتها الحرب.. وبسبب هذا النجاح تحول هذا المشروع إلي «منظمة التعاون الاقتصادي» التي ضمت 20 دولة بينها أمريكا وكندا وذلك عام 1961.. وهي بذلك كانت البذرة التي قام عليها حتي الآن «الاتحاد الأوروبي». لقد فهم الرجل معني ضياع أوروبا. خصوصاً بعد أن أصبح كل شرق أوروبا خاضعاً للحكم الشيوعي. وفهم معني صمود أوروبا الغربية عن طريق إنعاشها اقتصادياً حتي لا تسقط ثمرة سهلة في يد الشيوعيين، كما حدث لشرق أوروبا. وكانت البداية عقد مؤتمر ضم دول غرب أوروبا المعنية لتحديد ما تحتاج إليه هذه الدول.. ليبدأ تنفيذ مشروع «مارشال» في ابريل 1948، عندما وافق الكونجرس علي إنشاء «إدارة التعاون الاقتصادي» لتشرف علي المساعدات المطلوبة لهذه الدول. وبدأت هذه العملية بارسال مساعدات غذائية وآلات ومعدات وأدوية إلي أوروبا. ولمن لا يعلم فإن الجنرال جورج مارشال هذا هو الذي بدأ المحادثات التي أدت إلي إنشاء حلف شمال الأطلنطي «الناتو» ولذلك تولي بعد أن ترك عمله وزيراً للخارجية، تولي وزارة الدفاع عامي 50 و1951 أيضاً في عهد الرئيس ترومان.. ولكنه استقال لضعف صحته.. ثم توفي عام 1959 وكرمته بلاده. فتم دفنه في مقبرة ارلينجتون القومية التاريخية في فرجينيا تقديراً لدوره وهو المولود عام 1880. ولكن لأنه عسكري- سياسي كان يعرف قيمة ودور وأهمية إنعاش دول أوروبا! ولكن- وهذا الكلام لكل المصريين وأيضاً للرئيس العسكري والسياسي للمشير عبدالفتاح السيسي.. هل اعتمدت أوروبا فقط علي مشروع «مارشال» الأمريكي. لا.. بل وقفت كل شعوب أوروبا الغربية تعمل وتعمل. لتقف علي قدميها. نعم كانت أموال ومساعدات مشروع «مارشال» هي «العكاز» الذي استندت عليه هذه الدول.. ولكن كان الأساس هو عمل هذه الشعوب نفسها بجد وهمة وكد.. ولم يكن الأوروبي يجد ما يأكله.. فتحمل.. ورويداً رويداً. بدأ الانتعاش وبدأت الانطلاقة.. لتحافظ هذه الشعوب علي قوتها. هنا نقول لعاهل السعودية وخادم الحرمين الشريفين: شكراً علي كل ما قدمت وعلي ما سوف تقدمه بعد ذلك.. شكراً للملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي نفذ وصية والده العظيم الملك عبدالعزيز بن سعود موحد السعودية ومنشئها الذي أوصي أولاده- جزاهم الله خيراً- بمصر وشعب مصر. وكم نتمني أن يتغير اسم المشروع من الدول المانحة إلي «دول مساعدة».. والفرق واضح.. وأدعو كل المصريين إلي العمل.. والعمل.. وعدم الشطط في المطالب.. وعلينا أن نؤجلها.. إلي أن تقف مصر علي قدميها لا لتصبح مثل أوروبا.. ولكن لكي تعرف كيف ترد الدين لمن وقف معها.. وتعفو عمن وقف ضدها.. فهذا هو قدر مصر.. وقدر كل المصريين. شكراً: عبدالله بن عبدالعزيز «مارشال العرب» كلمة ومعني.. فهكذا الصديق.. وقت الضيق.