فاجأتني الكاتبة الصديقة ناهد صلاح بكتابها الأول (الحتة الناقصة) وكنت أعرف ناهد صديقة وصحفية بارعة.. ومعدة لبعض البرامج.. ولكني لم أعرفها أبداً كروائية لها تلك القدرة البارعة علي القص وابتكار لون جديد في الأدب أزعم أنني لم أطالعه في عمل أدبي من قبل. ففي روايتها الأولي - إن جاز لي أن أسميها رواية - تكشف ناهد صلاح عن موهبة أدبية رائعة، تمزج فيها بين الماضي والحاضر.. بين أشهر حكايات العشق والغرام في التراث المصري وحتي بين قصص الأنبياء والقصص الأسطورية في حكايات يجمع بينها الحب.. ففي سبع حكايات للحب تقدم لنا ناهد صلاح مزيجاً من قصص العشق والغرام بين الحب الصادق والمشاعر السامية، وبين حب الغواية وعشق الجسد.. وبين قصص الأنبياء التي كان الحب هو المكافأة الإلهية لأصحابها. وبين هذا الحب المتلون في حكاياته، تنتقل ناهد صلاح في روايتها، بين حكايات جدتها تلك المرأة التي لم تحصل علي نصيب من التعليم، ولكنها كانت أشبه بمدرسة للحياة، هي معلمها الأول، والحفيدة، الراوية، تري وتتعلم وتختزن في ذاكرتها ذكريات الجدة، ثم ذكريات الأم من بعدها، التي كانت تري في تعليم الابنة رسالتها الأهم في الحياة.. وبين الأم والجدة. وبين العانس ومريم، تقفز بين الراوية ما بين الماضي والحاضر، الماضي بحكاياته التي تبدأ بحسن ونعيمة، حسن المغنواتي صاحب الحكاية الأولي، المفتون بشبابه وغنائه وغوايته للنساء، ففي كل قرية له عشيقة، ولكن التراث لم يحدثنا إلا عن نعيمة التي عشقت حسن، فكان في عشقها له فضيحتها، فقد أسقطتها الغواية بين أهلها وأقاربها، ولكن المدهش أن التراث الشعبي خلدها كحبيبة مفتونة أنهكها العشق والغرام. ومن حسن ونعيمة تقفز بنا الراوية إلي علاقتها بباهر، وقد أشارت إلي نفسها باسم «ناجية» لتخوض في الحاضر حواراً يومياً علي الفيس بوك في عالم افتراضي لا يتقابل فيه باهر وناجية إلا في الفضاء الافتراضي، حيث يتحرر المتحادثون من أي قيود تفرضها المعرفة الشخصية ويصدمنا باهر في عباراته لناجية بقوله إن الحب يشبه أعراض مرض الكوليرا. ويضيف بأن الرجل يعرف من عطره، وأن الحب كالعطر لا يختبئ، في حين أن ناجية المتشبثة بالحياة والحب تقول له بأن من لا يمتلك العطر لا يمتلك الحب! وكانت ناجية تمثل نموذجاً آخر لنعيمة، ضحية الحب والعشق والعطر، وحسن ونعيمة، تعاود قصص الحب التراثية اجتذاب الراوية، فتقدم لنا قصة أخري للحب والعشق ما بين ألمظ وعبده الحامولي الذي عاش لذكري ألمظ بعد وفاتها وخلدها في أغان عديدة. ومن ألمظ وعبده الحامولي، تقدم لنا الراوية حكاية جدتها، تلك المرأة البسيطة التي لم تتعلم ولكنها تحولت لمدرسة يتعلم من خلالها الآخرون، ومن الجدة للأم، التي رأت في تعليم ابنتها سلاحها الوحيد لمواجهة الحياة. وتعاود الراوية القفز في الزمن، ما بين حكايات العشق وبين حكايات الجدة والأم، إلي محاوراتها علي الفيس بوك مع باهر، لتكشف لنا من خلال تلك الحوارات، كيف تغير الزمن، وتغيرت نظراتنا للأشياء وحتي الخيالات وكيف أننا أصبحنا نعيش في عالم لاهث صاخب.. تكاد تكون حكايات لكل يوم فيه أشبه بصراع للبقاء.. من خلال يوميات بديعة للراوية، ما بين عملها وبين أصدقائها، وإرهاصارت ثورة 25 يناير ولو كانت تلك اليوميات وحدها هي محتوي تلك الرواية لكان يكفيها ذلك، ولكن رغبة كاتبتنا في البوح بالكثير ما بين الماضي والحاضر، وربما لأن الحنين إلي حب حقيقي يتملكها، لذلك مزجت ما بين قصص الحب التراثية، وبين يوميات صعبة قاسية أشبه بالسير علي الحبال أو المشي فوق الأشواك، ولذلك تستطرد الراوية إلي قصة عزيزة ويونس، والحب داخل أسوار ذهبية وناعسة وأيوب وقصة حب سامية لامرأة رفضت التخلي عن حبيبها في محنته، وصولاً إلي زواج مينو من زبيدة وانتهاء بحكايات شهرزاد وشهريار. لقد امتعني قراءة تلك الرواية، أو سمها كما شئت، بكل ما فيها من صدق وشجن وعبارات وجمل أدبية، وأرجو ألا تتوقف ناهد صلاح عن القص والحكي، وأن تمتعنا بكتابها الثاني والثالث والعاشر. مجدي صابر