تشهد مصر منذ صباح أمس 26 مايو، وحتى مساء غد 28 مايو 2014 ثانى استحقاقات خارطة المستقبل التى تبنتها ثورة 30 يونيو 2013 بإجراء الانتخابات الرئاسية فى مصر، والتى تنافس فيها مرشحان فقط، هما "عبد الفتاح السيسي" وزير الدفاع السابق، و"حمدين صباحي" زعيم التيار الشعبى. تجرى الانتخابات بإشراف اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التى ينتهى دورها نهائيًا وفق الدستور المصرى الجديد 2014، ويحل محلها مفوضية وطنية مستقلة للانتخابات يُتوقع تشكيلها بعد انتخابات البرلمان المقبل واستكمال بناء النظام السياسى فى مصر. ويشارك فى الإشراف على الانتخابات قرابة 16 ألف من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية، والتى ضمت 352 لجنة عامة و13900 لجنة فرعية فى جميع المحافظات المصرية، يتوزع عليها الناخبون فى داخل مصر من كل المواطنين فى سن التصويت (18 سنة فأعلى) البالغ تعدادهم 53 مليونًا و900 ألف ناخب، بالإضافة إلى 680 ألف من المصريين بالخارج الذين سجلوا فى قواعد الناخبين من بين قرابة 5 ملايين مصرى ممن يقيمون خارج البلاد ويحق لهم التصويت بشرط التسجيل. وتجرى الانتخابات تحت رقابة وطنية وعربية ودولية، ضمت مؤسسات حكومية، من أبرزها الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية ومنظمة الكوميسا (دول شرق أفريقيا) ومنظمة الدول الفرانكفونية، وبضع منظمات مجتمع مدنى دولية، و86 منظمة أهلية، والمجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر، وذلك بتعداد قرابة 680 مراقبًا أجنبيًا و15 ألف مراقب محلى. وشكا العديد من جهات المراقبة المحلية والدولية من التأخر فى تسليم التصاريح وإنهاء التحضيرات اللوجستية. شارك فى تأمين العملية الانتخابية قرابة ربع مليون شرطى و180 ألف من جنود الجيش فى ظل المخاوف من ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية. ووُضعت 2500 سيارة إسعاف وفرق الحماية المدنية على أهبة الاستعداد. تجرى الانتخابات على جولة واحدة فقط بدلاً من اثنتين، حيث لم يتأهل للترشح سوى المرشحين الاثنين المتنافسين وفقًا للشروط التى يستوجبها دستور البلاد الجديد، ويتوقع أن تعلن النتيجة النهائية للانتخابات فى موعد أقصاه 5 يونيو/ حزيران المقبل عقب حسم الطعون التى قد يتقدم بها أى من المرشحين. وشهدت الأشهر السابقة على الانتخابات جدلاً بشأن تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية كقرارات قضائية نهائية لا يمكن الطعن عليها قضائيًا، وبينما ذهبت آراء قانونية وسياسية إلى عدم جواز تحصين قرارات اللجنة وفق أحكام دستور 2014، فقد ذهب الاتجاه الثانى نحو حصانة قراراتها باعتبار أن إرادة المشرع الدستورى تنصرف إلى قرارات المفوضية الوطنية للانتخابات التى ستتولى وفق الدستور الإشراف على جميع العمليات الانتخابية والتى من غير الممكن تشكيلها قبل انتخاب البرلمان. كما شهدت جدلاً بشأن مقترحات بعض مؤسسات المجتمع المدنى بتأجيل إعلان النتيجة النهائية حتى ينتهى الجهاز المركزى للمحاسبات من تقريره الرقابى بشأن الإنفاق الانتخابى، وضرورة فرض عقوبة استبعاد المرشح المخالف قبل إعلان النتيجة النهائية. وتتضاءل أهمية هذا الجدل فى ضوء السياق الفعلى لمجريات الانتخابات، حيث لم ترد شواهد بشأن مخالفة أى منهما للسقف المالى للحملات الانتخابية. جاءت فترة الحملات الانتخابية ضئيلة نسبيًا بالمقارنة بأهميتها، وذلك على صلة برغبة السلطة الانتقالية، وهى الرغبة المدعومة شعبيًا، بسرعة إنجاز الاستحقاقات. ويُسجل أنه بينما كان الأداء الإعلامى الرسمى خلال الحملات الانتخابية قريبًا من الموضوعية والحيادية، فيما عدا برامج حوارية مرتبطة بمقدمين معدودين، فإن وسائل الإعلام الخاص قد ساندت على نحو واضح المرشح "عبد الفتاح السيسي"، فيما عدا برامج حوارية معدودة مرتبطة ببعض مقدميها، كما يُسجل أنه بينما التزمت بعض وسائل الإعلام الخاصة بالشفافية فى إعلان انحيازها، لم يلتزم البعض الآخر بذلك. وقد انقسمت وسائل الإعلام العربية والأجنبية فى تناولها للأحداث فى مصر، فيما يراه العديد من الخبراء التصاقًا بالمواقف السياسية لدولها أو مالكيها، وبالإضافة إلى بعض أوجه القصور والخروقات التى سجلها المراقبون، فقد تدنت نسب الإقبال عن التوقعات الشائعة، حيث لم تتجاوز بتقديرات المراقبين 36٪ بختام اليوم الثانى، وهو ما قاد إلى قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لمد فترة التصويت ليوم ثالث بغرض تعزيز نسبة المشاركة، وهو ما لقى اعتراضًا رسميًا من كلا المرشحين. ويمكن أن يُعزى ضعف الإقبال إلى عدد من الأسباب، يمكن إيراد أبرزها فيما يلى: 1- إجراء الانتخابات بين مرشحين اثنين فقط؛ بما أضعف مستويات التنافسية، والشعور العام بأن المعركة محسومة مسبقًا، مع وضوح الميل المجتمعى لصالح المرشح "عبد الفتاح السيسي". 2- ارتفاع المخاوف من الإرهاب، وخاصة خلال الشهر الجارى مع الازدياد فى اتباع التنظيمات الإرهابية للتفجيرات الانتحارية التى تشكل ظاهرة جديدة فى مصر، وانتشار الأخبار المترافقة مع الشائعات خلال اليوم الأول من التصويت حول انفجار عبوات ناسفة وإبطال أعداد كبيرة من عبوات أخرى فى محيط المراكز الانتخابية. ونال التهديد الأمنى بصفة خاصة من الإقبال فى صعيد مصر، وخاصة فى جنوبالجيزةومحافظاتالفيوم وبنى سويف والمنيا. 3- وقوع مواجهات متنوعة بين قوات الأمن وتجمعات لأنصار جماعة الإخوان فى بعض المناطق، وخاصة فى الجيزة والشرقية والبحيرة والإسكندرية. 4- رفض الحكومة منح العاملين فى الدولة والقطاع العام إجازة رسمية خلال يومى التصويت، وعدولها عن رفضها مع ختام اليوم الأول لتفادى ضعف نسبة الإقبال. 5- عزوف جمهور التيار الدينى عن المشاركة فى ظل انقسام فصائله بين تنظيم جماعة الإخوان وحلفائهم المناوئين للمسار الانتقالى الثالث، وبين مؤيدين لثورة 30 يونيو 2013، وهو جمهور يمثل رقمًا مهمًا فى عملية التصويت فى الاستحقاقات الانتخابية. 6- عجز اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية عن معالجة مشكلة مشاركة الوافدين المقيمين فى محافظات تبعد عن محافظاتهم الأصلية المسجلين فيها، وفى بلد تتزايد فيه الهجرات الداخلية بسبب الأوضاع الاقتصادية بالغة السوء، ولكن تتمسك اللجنة العليا بإجراءاتها لتجنب الاتهامات لها بعدم النزاهة فى ظل مناخ الاستقطابات السياسية المتواصلة. ويُذكر أن الإلحاح السياسى والإعلامى على مد التصويت ليوم ثالث كان يتصل بالأساس بمعالجة مشكلة الوافدين، ولكنها بقيت دون حل حتى الآن. 7- تغيير المراكز الانتخابية المتعارف عليها لأعداد كبيرة من الناخبين إلى مراكز أخرى، وصعوبة التنقل والوصول إليها، وخاصة فى ظل المخاوف من الحالة الأمنية فى البعض منها. 8- مثل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، تواصلت ظاهرة ضعف الإقبال فى المناطق الحدودية التى تعانى تهميشًا وحرمانًا من التنمية. وقد شهدت مجريات التصويت العديد من أوجه القصور والخروقات التى جرت بشكل جزئى وسجلها المراقبون وأيدتها مصادر المنظمة، وإن كانت لا تنال من نزاهة العملية الانتخابية حتى مساء اليوم الثانى، ومن أبرز الملاحظات: 1- التأخر فى فتح كثير من اللجان الفرعية بين 10 دقائق وساعة كاملة. 2- غياب كشوف الناخبين الإرشادية فى المراكز الانتخابية. 3- غياب المنسق الإدارى لصفوف الناخبين خلال فترات الاكتظاظ التى شهدتها فترات الصباح الباكر والساعات الختامية من التصويت. 4- استمرار العديد من ملصقات ولافتات الدعاية الانتخابية فى محيط العديد من المراكز الانتخابية. 5- قيام أنصار المرشحين بالدعاية فى محيط العديد من المراكز الانتخابية دون تصدٍّ أمنىّ لها فى ضوء عدم توجيه القضاة المشرفين لمنعها فى كثير من الأحيان. 6- عدم السماح للمراقبين المحليين بدخول بعض المراكز الانتخابية رغم توافر التصاريح اللازمة لهم. 7- عدم السماح لبعض مندوبى المرشح "حمدين صباحي" بدخول بعض المراكز الانتخابية خلال الساعات الأولى من اليوم الأول رغم توافر التصريح اللازم. 8- عدم وجود لائحات إرشادية للمعاقين سمعيًا، وعدم مراعاة توافر التصويت بلجان بالدور الأرضى للمعاقين حركيًا. 9- عدم تحديد آلية واضحة لمساعدة الأميين الذين يبلغون قرابة النصف من الناخبين. 10- محاولة طواقم بعض اللجان الانتخابية التأثير على الناخبين خلال الإدلاء بأصواتهم، وقد قامت اللجنة العليا باستبعاد البعض منهم خلال اليوم الأول واستبدال بهم موظفين احتياطيين. 11- قيام بعض رؤساء اللجان بوقف التصويت لبعض الوقت دون أسباب واضحة. 12- رفض رؤساء اللجان مد التصويت فى نهاية اليوم الأول رغم توافر صفوف طويلة من الناخبين الذين فضلوا التوجه للجانهم متأخرين لتجنب ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما عالجته اللجنة العليا بمد فترة التصويت فى اليوم الثانى مع التوجيه باستمرار التصويت لكل الناخبين الموجودين فى محيط اللجان عند انتهاء فترة التصويت، قبل القرار المفاجئ بمد التصويت ليوم ثالث رغم اعتراض المرشحين.