في تاريخ المصريين الممتد لآلاف السنين لحظات فارقة حددت لهم فيما بعد طريقاً للحياة وتحديداً شكل وجوهر العلاقة بين المصريين وحكامهم.. اللحظة الأولي كما تجلى وتحدث المثقف والأكاديمي الدكتور حمدي حسن محمود، أستاذ الإعلام والخبير بالدراسات الإعلامية في مجلس أسبوعي مع كوكبة من رجال العلم والفكر أتشرف بالمشاركة به.. كانت في أعقاب غزو الهكسوس لمصر حيث مات في ضمير المصريين على أثر هذا الغزو فكرة الإله الحاكم أو الحاكم الإله على اعتبار أن المصريين تأكد لهم أن حاكمهم وإلههم لم يستطع أن يحميهم من هذا الغازي القادم من بعيد ولا يليق بالآلهة أن تهزم.. ومن حقبة الحاكم الإله انتقل المصريون إلى حقبة الراعي الصالح أو الحاكم الرشيد، وقرون تتوالي إلى أن تأتي اللحظة الفارقة الثانية عندما حل الغزو العثماني على مصر وقدم الخليفة العثماني نفسه لشعوب خلافته أنه وكيل الله في الارض وأن المسلم - والكلام للدكتور حمدي حسن محمود - افضل من كل ماعداه من الخلق واستمر الحال من عام 1516 وحتى عام 1798 عندما استيقظ المصريون على رعد مدافع نابليون بونابرت تدك حصون الإسكندرية ثم يدخل القاهرة ليفرك المصريون عيونهم وكأنهم أهل الكهف يستيقظون على عالم غير العالم ودنيا غير الدنيا وتجلي لهم أمام تقدم الفرنسيين أن ما قال به الخليفة العثماني ودولة الخلافة من أن المسلم - لكونه فقط مسلماً بغض النظر عن تخلفه - لهو أفضل ما في العالمين لكذبة كبرى وأن الخليفة- وكيل الله في الأرض - الذي صور لشعوب دولة خلافته أنهم في أمان لكونهم فقط من رعاياه لكذبة أكبر. وعند هذه اللحظة سقط من ضمير المصريين فكرة الخليفة ووكيل الله في الأرض واستمر الحال حتى نهاية عشرينيات القرن العشرين عندما خرج مدرس بسيط يطوف مدن وقرى مصر وهو الإمام حسن البنا يدعو الناس للالتفاف حول فكرة دولة الإسلام من جديد تحت مظلة جماعة الإخوان المسلمين التي أطلقها عام 1928 وكانت حجته ومرجعيته في الدعوة الجديدة أن أكثر من عشرة عقود من الليبرالية لم تحل مشاكل مصر الاجتماعية والثقافية ولم تنه احتلالاً ولم تثبت أركان دولة جديدة واستمرت الدعوة الإخوانية حتى اللحظة الفارقة الثالثة في تاريخ المصريين - ولا يزال خيط الحديث ممتداً للدكتور حمدي حسن محمود - بقيام ثورة 1952 والتي لو تأخرت قليلا لكانت جماعة الإخوان هي الأكثر جاهزية للقفز على السلطة التي أصيب ملكها الشاب بالوهن المبكر، وفسدت الحياة السياسية وتراجع الفكر الليبرالي أمام المد الإسلامي الإخواني. ويصطدم عبدالناصر بالإخوان عام 1954 ثم عام 1965 ثم يأتي السادات ليفتح أبواب الحياة العامة أمام تنظيم الإخوان ثم يصطدم بهم ليدفع حياته ثمن هذا الصدام ويُغتال على أيدى رموز وقادة هذا الفكر العفن.. ثم يعيش تنظيم الإخوان ثلاثة عقود في ظل حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك في ظل علاقة ظاهرها الاختلاف مع النظام وباطنها التعاون معه إن اقتضي الأمر ذلك حتى سقط مبارك في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير ليفاجأ المصريون بيوم قيامة يأتي قبل الأوان.. لقد امتلأ فضاء مصر بشيوخ ذات لحي طويلة وألسنة أطول وعيون نارية.. تنطلق من أفواههم براكين من الحقد على المجتمع المبشرين بتطهيره من وثنيته وضلاله.. وساسة مختومين بختم جماعة الإخوان مبتهجين بهجة جيش محمد يوم فتح مكة ولكنهم بدلاً من سماحة السياسة المحمدية «أذهبوا فأنتم الطلقاء» اختال افراد الكتيبة الإخوانية غروراً وصلفاً وكان لسان حالهم - مصر بناسها بضاعتنا وردت إلينا. ونأتي للحظة التاريخية الرابعة والفارقة في حياة المصريين بظهور ضابط مصري تقدم الصفوف في هدوء ولمح من بعيد لصوصاً اتفقوا على خطف مصر واغتصابها وبيعها في أسواق النخاسة السياسية ليتقدم الجنرال عبدالفتاح السيسي ومن خلفه وأمامه أكثر من ثلاثين مليون مصري امتلأت بهم الشوارع والميادين يوم الثلاثين من يونيو 2013 مطيحاً بحكم الإخوان في مشهد ربما كان هو الأكثر إرباكاً لساكن البيت الابيض وتابعيه.. المهم الآن والسيسي على مقربة من قصر الرئاسة - والحديث لكاتب السطور - هل يستطيع بنفس جرأة إسقاط الإخوان أن يسقط ما هو أخطر من الإخوان كشخوص - وأقصد الثقافة المتخلفة التي روج لها شياطين الإنس من كبار تجار الدين.. هل يستطيع السيسي وبنفس الجرأة أن يقول للمصريين كما قال الشهيد فرج فودة إنه بوفاة الرسول استكمل عهد الإسلام وبدأ عهد المسلمين.. هل يستطيع السيسي أن يصارح أول حكومة في عهد رئاسته بأنه بقدر حاجة بطون الملايين الخاوية للطعام فعقول عشرات الملايين بحاجة لزاد جديد يربطها بالعصر وعلومه وفنونه ويطهرها من مخلفات التاريخ البالية التي تاجر بها كثير من الحكام خلفاء وملوكاً ورؤساء وتجار دين يربحون الدنيا من وراء تجارتهم الفاسدة باسم الآخرة.. هل يفعلها السيسي ويفصل الدين عن الدولة ويدعو لإصلاح الأزهر إصلاحاً جذرياً وتطهيره من ذيول الإخوان والفكر الإخواني المسموم.. هل ينجح السيسي في أن يكون أتاتورك مصر ويسقط دولة الإخوان والمتسلفين من عقول المصريين.. لن أندم على التصويت لك لو فعلت ذلك.. ولو لم تفعل فاحذر عودة الثعابين من ذات الشقوق القديمة.